كيف تكون أردنياً ؟؟
عذراً ، لا تتنفس ذاك النفس المثقل بالتملل ، ولا يدعوك العنوان لتقف وقفة الساخر ، فبالتأكيد أنت مثقف ، وإن لم تكن فانت متعلم على الأقل ، وإذا ما كنت هذا وذاك فلاشك بأنك تحفظ من الألفاظ ما يجعلك تقول : هل جاء هذا بأردنية جديدة ؟! تباً له من كاتب أحمق.
لست في موقعٍ أدافع فيه عن نفسي وأردنيتي ، لكنني بكل محبةٍ وألفة ووداعة أدعوك إلى حوارٍ انا وأنت والساعة ، ربما .. صديقي أنك التهبت .. لكن ... لا باس هيا بنا في مقابلة الساعة ، وبنفَسٍ تخالطه رائحه شيح الوادي ، وسوسنة السهول والهضاب ، وعبق تراب الجبال ، وبجزالة الأصل الذي شبّ فينا ، وعنفوان انتصار الحروف ، وزغاريد السيوف في الكرامة وباب الواد ، ولا شك انك تذكرها ؟! اسمح لي صديقي أن أتنفس بما بي ، لتعرف كيف أتنفس ؟
لا تكن أردنياً على الورق فحسب ، في جواز السفر وبطاقات التموين والأحوال المدنية ، ولا تعبد حروف الوثائق ، فمع انها هوية لكن ليست حروفها تلك التي قد قصدت ، ابحث معي عن حروفٍ مغموسةٍ فينا ، تنمو معنا وتتألق بتألقنا ، لا يمحها الزمن ولا تنال منها باغية ، وتبقى ما بقي النفس الحر .
لا تكن أردنياً متى احتجت أردنيتك ، فالأم حقها ان ترضى عليك ، ووطنك يا صديقي أمٌ تحنو عليك ، تعطيك ما دمت تعطيها ، وتمد يدها إليك لو قسوت عليها ، فلا تكن عاقاً لأمك .
لا تكن أردنياً في الاحتفالات والمهرجانات بالغناء والأشعار .. مع أنه يضيف لنفسك نسمةً جميلة ، فأنت عاطفي الطبع والبهاء ، لكن لا يزيدك غير الفخر لو كنت أردني الانتماء والسجيّة والعطاء .
ما تزال الساعة تستمع بشغف ...
لا تكن أردنياً فقط حينما يكون الحديث عن رموز الأردن وعلمائها واعلامها ورجالاتها ، بل اسأل نفسك أين انت من هؤلاء ؟ وهل لك ان تُعيد في نفسك زمناً رسَمَك لتكن مسحةَ عزٍّ في لوحته ؟!!
لا تكن أردنياً وقتَ تَلّهِب في داخلك الحماس ، وتزعم انك الأول دائماً ، وأنك على قدر العزم والعزائم ، في حين تحتكر على غيرك أن يضع نقطةً بيضاء على السطر ، وربما تلعنه وتتهمه بأنه كمن يغرد خارج السرب ، فهل تعلم أنّ السرب يجمع ولا يفرق ، وأن اعضائه في الهم سواء ، يرحلون من بردٍ يصيبهم ، ويلتقون حول امانٍ يضمهم ، فلتكن يا صديقي داخل السرب ؟
لا تكن أردنياً فضّاً غليظ القلب ، دائم البحث عن سلبيات الآخرين ، وانت لا تقدر على صنع إيجابية واحدة ، دع الناس تضعك على كفوف الراحة لا بالحديث عن المنسف الأردني ، أو المسلسل البدوي ، أو طبائع وملامح وتجاعيد الغضب لدى الأردني ، فلا والله ما هذا هو الأردن ! فلتكن قصعةً من عسل تجمع حولها كل من يشم فيك رائحة الأردن ، تاريخاً ومجداً وعزاً وعزيمة وإكباراً وانتصاراً وميدان وفاء .
لا تكن أردنياً ترفع راية الوطن بيمينك ، وتسقط بيسارك ذات الراية من أيدي الآخرين ، فليس لك وحدك هو الأردن ، بل هو وطنٌ لكل نفسٍ طالها سيله الخير الوافر بمسحة عبرت العالم من المحيط إلى المحيط ، ولعل الشيء الجميل أن وطنك الصغير هذا يا صديقي رواية إنسانية ماجدة في كل بقاع العالم ، ولكن الأجمل منه أن تكون أنت ممن يصوغون سيناريو هذه الرواية .
عذراً أيتها الساعة لم يبق إلا الكثير ...
لا تكن أردنياً ويداك تسبق احداهما الأخرى في جمع الرماد ، وتعتقد أنك تبحث عن صورة بيضاء لوطنك ، ولا تجعل ما سببه لك غبار الرماد من ضيقٍ في النفس غضباً على من يلتهبون ويكتوون بالنار ليرتقوا بالوطن ، فلا تجعلني يا صديقي أقول لك يوماً مثل آبائنا: " النار لا تخُلّف الا رماد " .
لا تكن أردنياً عندما ترتدي عباءتك والعقال فقط ، وتنسلخ عنها وقتما ينزف العرق على مفرقيك ، أو تعتصرك طواحين الغضب ، وانت لا تدري إلى أيّ زاويةٍ سوف تحركك ريشة الفنان ، وفي أيّ وادٍ سوف تهيم ؛ فهل فكرت ذات مرّة لماذا تلبس العقال حتى في الصيف ؟!
لا تكن أردنياً لترضي آخرين أو تزاود على آخرين ، بل اقلع من صدرك نعرة التعصب واقليمية الانتماء ، وكن حلقةً تابعةً في سلسلة الوطن ، لها مكانها ووجودها لتشعر بأنك أنت وأن الوطن بحاجتك ، تشد من ازره وتكون مصدر فخره .
والآن ومع أن الحديث يطول الا ان الساعة قد ضاقت ذرعاً بالتحمل ، مثلك تماماً عندما بدأت معي بالتملل ، لكن أتدري بمَ تختلف عنك ؟!
انها تتحرك وفق نظام ومقياس دقيق ومنظم أكسبها تقدير العالم بأسره ، تعرف متى تدق ، ولا تدق بمكروه ، لكنها تهز العالم أجمع بمؤشراتها وتطوي دقائق وساعات وسنين يخلدها الزمان ، فلتكن يا عزيزي مثل مؤشر الساعة واعٍ لما تنبض به ، لا تقدم أول على آخر أو آخر على أول ، فما دمت تتحرك في فضائك الرحب بانتظام فبالتأكيد ستصل إلى قلب الوطن وقلوب الآخرين ، وتنال تقدير الجميع .
من هنا تستطيع أن تبدأ يا صديقي في طريقك إلى هويتك الأردنية الحقّة .
عمار البوايزة - وكالة عجلون الإخبارية
راق لذائقتي أتمنى أن يروق لذائقتكم
