استوقفتني عدة مشاهد مختلفة في مسلسل "باب الحارة" بأجزاءه الثلاثة،،فلا اظن ان هنالك رجل الا وأعجب بفتوة "أبو شهاب" وحميته..ورجولة "الزعيم"ومهابته..وغيرهما من" أباضيات" تلك الحارة.. هؤلاء "الاباضيات" الذين يقطعون الحارة ذهابا وإيابا رافعين رؤوسهم كطواويس نافشة ريشها..مزهوة بقوتها ورجولتها..ه
شاهدنا كيف كان هؤلاء "الابضايات" يمارسون سطوته ورجولتهم على افراد "حارة ابو النار" وعلى ذلك المسكين الضعيف بائع البليلة اياه.لقد كانوا يدوسنهم و"يعلّمون" عليهم في كل حلقة وفي كل جزء.. مزهويين برجولتهم وعنتريتهم تلك التي ربما اعجبت ملايين المشاهدين في عالمنا العربي ممن يشعرون بنقص في هرمون تلك العنتريات القديمة خاصة عندما يشاهدون واقعهم الحالي المزري..ه
ولكن ما لفت انتباهي هو كيف تحول هؤلاء الرجال الماردون اصحاب الشنبات العريضة الطويلة..ممن كانوا يمارسون جبروتهم وشهامته تلك ضد المعتدين من "حارة ابو النار".. كيف تحول هؤلاء الرجال الي مجرد فئران ضعيفة في وجه الجنود الفرنسيين عندما كانوا يقتحمون الحارة..فاندهشت لمنظر هؤلاء "النمارييد" والرجال الذين رسموا لنا صورهم الخرافية عبر حلقات المسلسل كيف يصطفون بطابور ملتصق ببعضه على احد الجدران..بينما كان القائد الفرنسي يهم بتفتيش احد اكياس القمح..كانوا في منتهى الذل،، امرهم القائد برفع ايديهم فرفعوا، وبإدارة وجوههم نحو الحائط ..فادارو!! ..ولم ينبس احدهم ببنت شفه.!!ه
فعل القائد الفرنسي ما اردا وفتش الحارة والدور والغرف..وكان هؤلاء اصحاب الشنبات العريضة ينظرون مرتعدين..يكتفون بالنظر الي عيون بعضهم البعض وهم رافعي الايدي خوفا من ان يكتشف امرهم بتهريب بارودتين صدئتين الى مجموعة رجال في "الغوطة" يقال انهم ثوار..ه
كان هذا من اكثر المشاهد التي لفتت انتباهي ..فكنت اراقبها بابتسامه خفية..ولا ادري هل قصدها المخرج ام لا..ه
ربما اراد ان يوضح لنا كيف هي عنترياتنا ومراجلنا..هؤلاء الرجال يتحولون الى نماريد بهيبة ووقار ويمارسون سطتوتهم إما على اخوتهم ممن جاوروهم ويتهمونهم ويضربونهم وإما على نسائهم المغلوبات على امرهم..بينما يتحولون الى أرانب بريئة وضعيفة عندما يخاطبهم ذلك القائد الفرنسي اياه.ه
---------
وحده "أبو عصام" ذلك الرجل الطيب.. كبيير القلب..الذي طالما قدم الدعم لهؤلاء "النماريد" ووقف خلفهم وساندهم وانقذهم في كثير من المواقف التي وضعوا انفسهم فيها نتيجة عنترياتهم الزائفة.وحده كان يسير بهدوء وبصمت يضع عينيه في الارض سائرا الى هدفه دون ضجيج وعنتريات اشتهر بها اصحاب الشنبات العريضه ما غيرهم،،كان يساعد من يطلب منه، ويؤوي في بيته اي محتاج سواء كان هاربا ام مهاجرا اما مجاهدا،،ويقدم له كل ما يحتاج..كان يدافع عن الحارة واهلها بطريقته هو، وليس على شاكلة اولئك الطواويس.. تحمل الاذى من اهل الحارة ومن كلامهم السيء عليه..ومن اتهامهم له بالتخاذل تاره وبالعمالة تارة اخرى..وانه فقد عقلة واقترف الموبقات..الا انه كان كبيير القلب لم يلتفت الى كلامهم المسيء هذا والى تشويههم لتاريخه..بل استمر بعمله الدؤوب بصمت وهدوء وبحب.وعلى محياه ابتسامة الرضى عما يفعله فهو يعرف ان ما يقوم به هو الأفضل وان بدا عكس ذلك..رغم كل ذلك الكره من" اهل الحارة" وكلامهم عليه..استمر على نهجه وبنى نفسه بنفسه وصنع "دكانا" كبيرا حرا يؤي الجميع حتى ممن شتموه.. كان يستقبلهم "بدكانه" تلك بحب وبحفاوة..رغم قسوتهم عليه...ه
وللاسف يستمر هذا النهج حتى في الجزء الثالث ..عندما راى المخرج انه من الأفضل محو شخصية "ابو عصام" هذا الرجل الطيب من هذا المسلسل وابقى الساحة خالية للعنتريات ففضل "موته" في اول مشهد من ذاك المسلسل...ولكن هل انتهى "ابو عصام" حقا؟
الاكيد ان "ابو عصام" ما زال يعمل بصمت وطيبة كما كان لا يلتفت كثيرا الى من يشتموه بل يفتح صدره لهم دائما..يعمل بجد حتى يوفر الحياة الافضل والكريمه لابناءه واخوته رغم انهم عادوه..."ابو عصام" هذا لا احد يعرفه حق المعرفه الا ابناءه ممن رباهم على طيبة القلب والحفاوة..فهم يحبونه ويحبهم..يفخرون به ويفتخر بهم..وهم مستعدون لان يفدونه بدماءهم...أحبك "ابو عصام"....لأنك وطني الذي أهواه
محمد طلفاح10/9/2008