شغل الغيب الانسان، منذ وعى تداعيات الزمن، وارتدادات الاحداث، وصروف الدهر، وتقلب الاحوال، وسعى دوماً الى معرفة ما يمكن ان يخبئه هذا الغيب، وتمنى دائماً لو عرف هذا الغيب او حتى بعضه، بل لقد تراجع الى لو انه يعرف ماذا يحمل الغد القريب فقط - غداً - لكن هذا كله بقي عند حدود الامنيات ولم يتجاوزها، وعجزت كل قوى الانسان، ما كان منها في اطار العقل والمعقول، وما تجاوز منها العقل الى ما لم يقدر العقل على قبوله، حتى لجأ الانسان الى التنجيم، هذا الذي جاء اسمه من النجم الذي جعله البعض اداة لمعرفة غيب، هذه المعرفة التي يدعونها، لكنها بقيت في اطار التنجيم هذه اللفظة التي بقيت دلالاتها تولد في النفس ادانة لكل ما قد تقدمه هذه الدلالات، والذي غالباً ما يوصف بأنه خداع لا يمت للحقيقة والواقع بصلة وثيقة.
ولعل مما شغل الناس دوماً، معرفة المصير الذي تكون فيه النهاية، معرفة تطال الزمان زمن النهاية، والمكان مكان النهاية والكيف الذي تكون عليه هذه النهاية، كل هذه بحث الانسان عن وسائل توصله الى اجابات قاطعة على تساؤلاتها لكنه لم ينجح بتاتاً، وحين تنزل الوحي على النبي المصطفى، كانت الساعة التي تؤشر على القيامة واحدة من الاسئلة الكبيرة التي شغلت ائمة الكفر كأحد عناصر الغيب الذي جاء به الوحي الى جانب قضايا اخرى ارتبطت بالغيب بشكل او بآخر، وعلى الرغم من ان الكفار او اهل الكتاب، صاغوا تساؤلاتهم حول قضايا غيبية وطرحوها على الرسول عليه الصلاة والسلام، تحت عناوين التحدي او الامتحان لصدقية نبوته وحقيقة رسالته، الا ان الوحي كان غالباً ما يحمل اجابات تتجاوز حد تقديم الاجابة، الى اقرار حقيقة ممتدة على كل الازمان بشكل مطلق، قادر على مواجهة كل ما يمكن ان تحمله احتمالات المستقبل.
ولقد خص الله تعالى علم الغيب بذاته عز وجل، فتكررت اضافة علم الغيب اليه تعالى في مواقع عديدة من القرآن الكريم، ولعل آية 34 من سورة لقمان:.
ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي ارض تموت لعل هذه الآية الواحدة، واحدة متقدمة من الآيات التي حملت هذا العدد من اصناف الغيب الذي بدأ بموعد الساعة - القيامة، ثم توالت غيبيات لم ينجح الانسان حتى الآن، رغم ما اوتي من علم، على اختراقها وبقيت غائبة في غيبها حتى اللحظة، لا يقدر عليها عالم الا بعد حدوثها او وقوعها او انتقالها من الماضي غير المعروف الى الحاضر الذي غدا بكشفه معلوماً.
ولقد ربطت غالبية التفسيرات بين هذه الآية 34 من سورة لقمان، وبين الآية 59 من الأنعام: وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين كل هذه التفصيلات ما تزال في غيب ما قدر الانسان لا على العلم بها او حتى لو حصر اتجاهاتها وتوجهاتها.
يتبع..