منسيقتل عمر القاسم؟ بقلم د. فايز ابوشمالة
___________________________________________
غيمةسوداء حطت على المكان، وأمطرتني حزناً، ليغمرني الذهول، وأنا أسمع في "معبار" سجنالرملة من السجين "يحيى أبو سمرة" أن "عمر القاسم" قد استشهد، لم أصدق الخبر، فعمرالقاسم ذو الجسد الرياضي، ويجري على رأس طابور الصباح في باحة سجن عسقلان، بينماكنت، وأمثالي نلهث في آخر الطابور! فكيف استشهد عمر؟ لقد أرسلت له قبل شهر شعراًبمناسبة مرور عشرين عاماً على اعتقاله، وكان أول سجين فلسطيني يجتاز خط العشرينسنة، أرسلت له من سجن نفحة إلى سجن عسقلان كلمات مودة، وتقدير أنبتت الفرح في قلبهكما قيل لي، كلمات قرأها كثيراً في سجنه، وبصوت مرتفع، أذكر منها:
عشرونعاماً يا عمر!
عشرون عاماً قضُّها وقضيضُها
لا صيفُها ألقى عصاترحاله
وشتاؤها ما زال في إبكار
هوالأرضُ عطشى للمطر
عشرونعاماً يا عمر!
وما زلت أذكر ذاك اليوم الذي عرّفني فيه السجين "محمودالكسبة" ابن القدس على الشهيد عمر القاسم في سجن الرملة، وقد كان برفقته السجينيحيى أبو سمرة، ومن مفارقات القدر أيضاً أنني صافحته من خلف القضبان، لنلتقي بعدذلك في سجن عسقلان، ونصير صديقين قريبين من بعضنا لأكثر من عام، لأصافحه مودعاً عندانتقالي إلى سجن نفحة، وعلى غير المألوف من خلف القضبان.
ذات يومٍ زاره فيسجنه "اسحق نافون" رئيس دولة (إسرائيل)، وقال له: سيد "عمر" أنا وأنت من مواليدالقدس، ربما أكبرك بعشرين عاماً، وسياسي مثلك، ولا شك أنك تعرف مكانتي في (إسرائيل). أنا أحترمك سيد عمر، وأريد أن أصل معك إلى حل يرضينا.
قال له عمرالقاسم: إلى ماذا تريد أن تصل مع رجل له عشرون عاماً في السجون؟
قال اسحقنافون: أريد منك فقط أن تدين الإرهاب، وأن تعترف بدولة (إسرائيل)، وتتعهد بعدمالقيام بأي نشاط سياسي مقابل الإفراج عنك والسماح لك بالإقامة أينما شئت حتى فيالقدس.
أجاب السجين عمر القاسم: سيد نافون لك منصبك، وعرشك ولنا سجوننا، ولاتظن أنني لا أحب الحياة والحرية ولا أكره السجون، ولكنني يا سيد نافون لن أساوم !
ذات يوم قلت لعمر القاسم في باحة سجن عسقلان: أنت أحسن حالاً مني يا عمر،فلا ولد يشغل بالك، ولا طفل يضرب عصب وجدانك. فقال عمر: بل أنت أحسن حالاً مني،صحيح قد يشغل قلبك فراق أطفالك، ولكنك لو مت، سيظل اسمك، وستجد من يحمله، بينما أنالو مت: فمن سيحل اسمي؟ تنهد عمر وهو يقول: يا ليت لي ولداً!.
لم يخرج عمرالقاسم من السجن إلا شهيداً بعد واحد وعشرين عاماً، ومع ذلك ظل اسمه حياً، يحمله كلشهيد، وكل أسير، وكل جريح، وكل امرأة فلسطينية تقسم بالله العظيم أنها لن تتخلى عنالمقاومة، ولن تعترف بـ(إسرائيل)، ولن تساوم على حبة رمل من فلسطين.
فمنالمجرم الذي سيقتل عمر القاسم؟
مواقع النشر (المفضلة)