الجزء السابع
يأتي صوتها كنوع من الاغراء المبطن..ذلك الذي يتحرش بالرجوله دون قصد...ويدفعك للاستمتاع بالهزيمه معها..وددت لو أقول لها (( أحبك )) لكن صوتي المبحوح فجاءة لم يسعفني .. بل أني عجزتُ أن أجد في قواميسي ما يستحق أن أقوله في حضرتها.. لكأني أجرب لغه ما كانت لغتي قبل الآن تحدثت (( هذا ليس سواراً فقط.. بل هو ورقه من زنبقةٍ سوداء قذفتها الريح في طريقي.. ولا أزال اشتم رائحه التراب بعد المطر بين ثناياه.. هذا السوار هو حذاء سندريلا سقط منها قبل أن يخطفها القدر بذريعه أن منتصف الليل قد حان.. حجر الفيروز أخذ قداسته من سحر عينيها.. ونقوشه المبهمه الغامضه كانت تشبه المعلومات التي كنتُ أملكها عن أنثى تحتضن كمان سرقت قلبي قبل أن تخطفها الريح الصفراء..وتترك لي السوار عربون قصه حب..ليصبح السوار دليلي في الصحراء وأملي الوحيد بأن أجد واحتي... أنتِ )) قاطعتني .. رويدك قبل أن تتورط أكثر... وتضيع بين الكثبان الرمليه...وتطارد السراب..فلا تؤخذ الاحلام عنوه.. ولا يولد الحب بعمليه قيصريه لآن الطبيب عندها سيكتشف أن الحمل كاذب .. والحب أيضاً اسمى من أن يولد في العتمه.. فكل ما يولد في العتمه سيقى هناك...))
- ألا يشفع له أنهُ ولد تحت المطر.
ثوانٍ وشفاه التوتِ ترتجفُ على مشارف كلمه قبل أن تقطع صمتاً ثقيلاً وحاله ترقب واضح..فقد كنتُ مثل متهمٍ في قفص الاتهام ..منتظراً القاضي ليزف برائتي ..أو يحكم علي بالاشغال الشاقه المؤبده.
- لا أنكر أني مأخوذه بجماليه هذا اللقاء .. ومذهوله من تصريحك العاطفي المفاجىء ..واشعر بانقلاباتٍ عسكريه في داخلي...وفوق هذا ممتنه لك على مجهودك الذي لا بد أنه كان كبيراً لاعاده السوار وأي فتاه ما كانت تحلم بأفضل من عاشقٍ مهوس بها لدرجه البحث عنها في المستحيل..ولكني لستُ مستعده لخوض تجربه عاطفيه الآن.. وأنا في كل الأحوال لا أحمل لك إلا الشكر..لشعورك النبيل...ولإعاده السوار....
وسط ذهوله واحتراقه بكلماتها انتشرت حمى الاسئله في جسده.. هل تخاف من تجربه عاطفيه ستدفع ثمنها ذات يومٍ مضاعفاً للقدر.. أم أنها شبه مرتبطه بغيريه . أو هل تخاف أن تراهن عليه دون أن تعرف عنه شيئاً .. هل أخطى عندما صرح لها بحبه هكذا... دون أن يمنحها فرصه معرفته .. أم أن شيئاً في ملامحه أزعجها..تمنى لو أن الرمال المتحركه تبتلعه فتنقذه من لعنه الوقوف مكسوراً أمامها...
ذلك الانكسار الروحي لم يستطع اخفائه ..فاضافت في محاوله يائسه لترميمه
- انتظر فالاجمل يأتي متأخراً.
- سوار الملكه حتماً سيعود لها...ولكن المحكوم بالاعدام يُعطى فرصه لأمنيه واحده قبل تنفيذ الحكم ..فهل لي بطلب ؟
هل هو الغضب أم الخجل أم الندم الذي أتى بالربيع في غير موعده ليتفتح على وجنتيها الدحنون فجاءة.
- رغم اعتراضي على تشخيصي كملكه نرجسيه إلا أني لا أملك ألا قولي اطلب ما تريد .
كان بوده لو يقول .. أيتها النرجسيه أريد النرجسه ...لكنه قال
-اريد النرجسه حتى لا اعود خاوي اليدين... فلعلي أجد فيها دفئاً كدفىء السوار يحميني من صقيع الوحده.
مقايضه خاسره بكل المقاييس كانت.. وشعور كنان بأنه يستجدي الحب لا يرحم... فليس أصعب من تسول المشاعر .. وأن تشعر بأن من تمنحه عواطفك يتصرف باستخفافٍ ودون مسؤوليه مع أغلى ما تملك..وربما يكون مستمتعاً بانكسارك امامه حتى يرضي غروره...
تناول كنان النرجسه وودع السوار دون أن يودع صاحبته... وأدار ظهره رغبة بالانسحاب فأتى صوتها مثل خنجرٍ زرع في ظهره
- هل المشاعر تستبدل بهذه السرعه..وهل من الصعب قول كلمه وداع..أو ربما بدلاً منها تطلعني على اسم الامير..
اجاب دون أن يلتفت إليها خشيه الوقوع فريسه لنظرات عينيها فتسحب منه من الكلام ما لم يعد لديه رغبه لقوله...
-اسمي كنان ..وتابع المسير إلى خارج بيت العود.
في المساء وبينما كان منشغلاً باعاده شريط الذكريات.. وتحليل كل المعطيات... وتفاصيل خيبته العاطفيه..مستمعاً لصوت ماجده الرومي تغني (( طوق الياسمين )) ومصغياً أكثر إلى نحيب الحب في قلبه انتبه إلى صوت الجرس معلناً قدوم زائر.. وبالرغم من انه لا رغبه لديه بمجالسه أحد إلا أن اصرار الزائر الواضح من صوت الجرس اجبره على فتح الباب، وإذ بصديقه ليث بالباب.
- كم من الوقت يلزمك لفتح الباب .. هل كنت نائماً؟
- -بل كنتُ هائماً
ضحك ليث وأقفل الباب ولحق بي إلى الصاله.
- دائماً تجلس في العتمه .. هل هي نزعه لتوفير الطاقه الكهربائيه.. أم محاوله للاختباء من العالم والزوار..فلولا أني اعرف لعدتُ منذ شاهدت البيت مطفئاً من بعيد.
- بل العتمه فرصه متجدده لترتيب اولوياتنا وترميم احلامنا..فرصه لاعاده صنع علاقتنا بالاشياء من حولنا..والعتمه مفتاح كل لوحه رسمتها وكل سطرٍ لم اكتبه بعد .. وهي فرصه لاخفاء تشوهاتنا النفسيه ..فاللون الاسود شديد الامتصاص.. يمتص كل التراكمات والهموم ويدفتها تحت لحافه الاسود.
ولعلمك فإن الوصفه الافضل للهروب من الحزن البكاء تحت المطر..والبكاء في العتمه..ففي كلا الحالتين ليس هناك من يتجسس على كبريائك المجروح ..ونزيفك الموجع ..
اشعل ليث ضوءً خفيفاً في زاويه الغرفه ليتفاجىء اكثر من نظريتي حول العتمه بتلك الفوضى التي تعم المكان.
-عليك احضار خادمه ولو لمره واحده في الاسبوع لتعيد لهذا المكان هيبته..
اجاب كنان في نفسه ( ومن سيعيد إلي هيبتي )
- هذا ما يجب أن يحصل وسأضيفه إلى خطتي الخمسيه القادمه .
ضحكنا معاً .. ولم يكن الموقف مضحكاً ، لكني فضلت الاختباء خلف ستار الضحك حتى لا يشعر ليث بحزني ، رغم أني وددت البوح له بتفاصيل القصه إلا أن تاريخ ليث الاسود مع النساء وتجاربه السطحيه التي لا تنتهي لا تؤهله بأن يكون مستشاري العاطفي.
-اتعلم يا ليث ..ارغب في تناول العشاء في الخارج ..والجلوس حتى الصباح في احد المقاهي للصباح..اريد استنشاق الهواء ..ةالهروب من افكاري..إلا اذا كنت تفضل أن اجرب لك احدى وصفاتي السحريه في العشاء هنا..ولكن احترس في العاده احضر طعاماً من المطعم كبديل احتياطي لما ساطهو ..وفي كل الحالات كنت افشل في تجهيز ما يمكن استساغته واتجه إلى الخطه باء –طعام المطعم -..
ابتسم ليث – اقدر لك عرضك المغري بأن اكون فأر تجارب بمطبخك ..ولكني افضل النوم دون عشاء على هذا..هيا بنا إلى شارع الجامعه ..
كنتُ ساشرع في تناول الطعام لكن منعني منظر فتاه تبكي بصمتٍ وبجانبها شاب على ما يبدو انه حبيبها ..وحاله من الوجوم والعتاب المتراكم تحدث بينهما..ودون اي جرائم سابقه في التلصص على المحبين شغلت كل راداراتي..واستنفرتُ كل حواسي لافهم ما يدور هناك ..كنتُ على استعدادٍ للتدخل وضرب ذلك الشاب إن تطلب الأمر ..فحقاً امام دموع الفتيات تتحطم قلوب الرجال..لكن سرعان ما فهمت الأمر..فلم تحجز طاوله واحده اصواتهم الهامسه عني وعن فضولي..كانت دموع التماسيح..يبدو أن الشاب كان يعاني ازمه ثقه في فتاته..فكلف احد اصحابه بمحاولخ ابات التكهنات..لتنجرف الفتاه وينكشف قناعها ..فتخسر الاثنين..مع اني اشك من اسلوب كلامه انها خسرته..قاطع افكاري لث ونبهني انه اوشك على انهاء طعامه وانا لم ابداء بعد..انهينا طعامنا..واعتذرت من لي عن تير رغبتي بالذهاب الى المقهى بحجه النعاس..وعدت الى البيت بشوق لا يفسر..امسكت النرجسه ليزول كل غضبي من صاحبتها..واتذكر قولها (( انتظر ..فالاجمل يأتي متأخراً )) اكتشفت فجاءة بانها لم تغلق الباب بوجهي..بل تركته موارباً..لتضعني بين اسئله الممكن والمستحيل ..ليصبح الدخول إلى عالمها اكثر اغراء..فامسكت ورقه وكتبت عليها (( أنا الجالس على حافه الجنون وأنتِ الساكنه في عيون المستحيل ..هل يمكن أن نلتقي من جديد في مكان غير السراط المستقيم ..))
ثم تمتمت بنفسي – ربما – وقد قررت القيام بمشروع جنوني جديد..لاجلها..
مواقع النشر (المفضلة)