رواية عودة الزيتون ( الجزء الثالث )
قطيعٌ من الخيول البربه يركضُ في قلبه في عمر لحظه..
وصوت المطر على زجاج النافذه يُغري بالبكاء ويُغري أكثر بتذكر اليد التي كتبت القصاصه على عجل بقلمٍ اسود..لماذا الاسود ؟؟؟
تراها اختارت الاسود قصداً ؟؟ أم كانت حركه عفويه امام وقع الصدمه ..فاختارت الاسود عن مكتبه دون قصد …
كان منشغلاً عن ما تكتب بصوت تحطم ناطحات السحاب في قلبه ..مُعلقاً عينيهِ على ذلك السوار في معصمها..وهي تكتب.. ما اجملها..واجمله..كان وحده
يملك تفاصيل البدايه ومعالم النهايه..آهٍ عليه..تراهُ في يدها الآن ..أم يسكن صندوقاً فاخراً من الخشب ..كرمزٍ باهت للوفاء..
عندما يستيقظ الماضي..نتمنى على الاغلب لو انه لم يفعل ..فلن نستفيد منه غير الألم والحسره..والندم احياناً..
صوت المطر .. والقصاصه..وذلك السوار..ثلاثه خيوط تدفعه (( لاستحضار الماضي )) بحماقه عاشق.. يستيقظ الماضي مساء يوم الرابع عشر من تشرين الثاني من العام تسعه وتسعين وتسع مائه والف ..كان المطرُ يحتضن اربد بشيء من الفرح الغامض…((( كان الخيرُ يتساقط على سهول اربد بغزاره لم نعهدها منذ مده.. وربما لامتزاجي باربد وعشقي الكبير لها الدور الاكبر في تساقطه على تضاريس قلبي أيضاً..في ذلك المساء..
كان الناس يتراكضون للاحتماء من المطر .. وحدي كُنت اسير غير مبالي بالبرد …احاول معانقه كل حبه قبل أن تصل إلى الارض..مستمتعاً بصوت (( المزاريب )) وبمنظر المياه التي لا تجد لها مصرفاً كالعاده في اربد.. ومشحوناً بطاقه عجيبه سببها المطر..وشبح اسود يسير بثقهٍ امامي لم استطع أن المح ولو وهماً ملامحه.. متعطراً بعطر الوطن المقدس وعطر الفلاحين المفضل… رائحه التراب بعد المطر..
لم يكن من المتوقع في اربد أن تشاهد فتاه تحمل (( كمان )) في تلك الساعه المتأخره من الليل وتسيرُ وحدها تحت المطر ..شدني معطفكِ الاسود .. احسستهُ ممتزجاً بالأرض ..ويشربُ ايضاً معها المطر ..مسافه لا تزيد عن عشره امتار احاول تقليصها كل لحظه..لكن الاقتراب منكِ فقط كان فيه شحنه غير متوقعه من التوتر في اعماقي.. فاكتفيتُ بالمحافظه على العشره امتار دون رغبه بتقليصها.. عندما هاجمتكِ موجه من المياه الجاريه على طرف الشارع بعد مرور سياره سوداء – لماذا سوداء - على عجل ، اختل توازنك فجاءة .. وسقطت زنبقتي السوداء على الرصيف ..تمنيتُ لو ساعدتك لحظتها – ثم نهضت زنبقتي على عجل ..تتفقد الكمان برقهٍ فوق العاده .. احسستًُ بطيبتكِ
وحنانكِ الكبير لأول مره ..وعاد معطفكِ الاسود ليمتزج بالارض اثناء المسير …
ما كنتُ أعلم أن مجرد امساك ذلك السوار الذي سقط منكِ دون أن تعلمي على الارض كفيلٌ بأن اجلس أنا مكانه على رصيف عمري بانتظار معجزه …
ربما تلك هي ضريبه الحب التي سيدفعها الجميع حتماً لاكن المسأله مسأله وقت فقط حتى ندفع الثمن ..
امسكتُ السوار الفضي بحجر الفيروز الوحيد في منتصفه لاكتشف بأنه قطعه فنيه بحد ذاته.. أخذ شيئاً من القداسه فوراً.. ورحتُ اتسأل إذا كان من كنوز كسرى .. ففيهِ شيءٌ عتيق جميل …..امسكتهُ بفائض حنانٍ مثلكِ ، لم ارغب بأن يشعر بالوحده في يدي. أو ربما لاني علمتُ مسبقاً نزعتكِ إلى معامله الاشياء بلطفٍ مبالغ فيه احياناً..
وما أن بحثتُ عنكِ امامي إلا شاهدت ذلك (( التكسي )) الواقف على يمين الشارع يقتلُ احلامي ..كرهتُ الاصفر من يومها ..حتى قبل أن تنطلق السياره غير منتبهه لحجم الخيبه في عيني …
حاملاً أكثر من شعور .. اكثر من فرح .. والكثير من الخيبات .. عدتُ إلى منزلي ذلك اليوم ..في يدي شيءٌ
مقدس لأنثى غامضه .. احسستُ بها قريبه إلى نفسي..
- بل كانت الاقرب – وبرغم أني اجهل ملامح زنبقتي إلا أني اعلم عنها ما يكفي (( مجنوناً مثلي )) للبحثِ عنها في مدينه مثل اربد…)))
في اربد – حتى ذلك الوقت – لم يكن العزف منتشراً بين الشباب ..ومن النادر جداً ان نلتقي بمن يستطيعُ العزف على آلهٍ موسيقيه .. فكيف بمن يمتلكها خصوصاً أن امتلاك آلهٍ موسيقيه يأخذ شكلاً من اشكال الترف – الغير محبب – في بعض المناطق….
في اربد ما لا يزيد عن الخمسه مراكز متخصصه بتعليم العزف وهناك ايضاً يلتقي اغلب اهل هذا – الكار - ليمارسوا طقوسهم الجميله في العزف ..فهل يا تراها
تتردد على تلك على تلك المراكز ؟؟
كان يحاول اقناع نفسه بذلك خصوصاً أن الطريق الذي كانت تسلكهُ ليس ببعيد عن – شارع الجامعه – حيثُ توجد كل هذه المراكز .. وهل لديه هو اصلاً القدره على اقتحام هذه المراكز بسوارٍ فقط..دون سببٍ مقنع؟؟ عن من سيبحث.. وكيف سيسأل ..اسئله لم تُثني كنان عن القيام
بما يريده كالعاده...
يتبع..
مواقع النشر (المفضلة)