الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه، أما بعد:
فإن التوسل بالنبي –صلى الله عليه وسلم- مجمل يحتاج إلى تفصيل: إذ هو أنواع، أحدها: التوسل بالنبي –صلى الله عليه وسلم- بمعنى التوسل إلى الله والتقرب إليه بمحبة النبي –صلى الله عليه وسلم- والإيمان به، فهذا فرض لا بد منه؛ إذ هو أصل الإيمان، فمن لم يتوسل إلى الله بمحبة النبي –صلى الله عليه وسلم- والإيمان به فليس بمؤمن.
الثاني: التوسل بدعاء النبي – صلى الله عليه وسلم- في حياته، بأن يدعو والناس يؤمنون، كما كان يدعو في الاستسقاء والصحابة يؤمنون، وكما توسل بدعائه الأعمى في أن يرد الله عليه بصره، وقال: اللهم شفِّعه فيّ. أخرجه الترمذي (3578)، وابن ماجه (1385).
الثالث: التوسل بالنبي – صلى الله عليه وسلم- بمعنى التوسل بذاته والسؤال به، والإقسام على الله به، وهذا من البدع التي لم يفعلها الصحابة مع النبي –صلى الله عليه وسلم-، وإنما كانوا يتوسلون إلى الله بدعائه، لا بذاته ولا بسؤال الله به، فإن هذا من البدع المحدثة في الدين، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" صحيح البخاري (2697)، وصحيح مسلم (1718)، ولو كان الصحابة يتوسلون بذاته لما عدلوا إلى التوسل بعمه العباس في زمن عمر لما أجدبوا، حيث قال عمر –رضي الله عن الجميع-: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا-يعني في حياته- وإنا نتوسل إليك بعمّ نبينا فاسقنا. أخرجه البخاري (1010). ثم يدعو العباس وهم يؤمنون، فيسقون.
الرابع: التوسل بالنبي –صلى الله عليه وسلم -بدعائه من دون الله تعالى، وهذا شرك أكبر يخرج من الملة، وهو الأمر الذي بعث النبي – صلى الله عليه وسلم- بالنهي عنه، والإنكار على من فعله، وتكفيره، قال تعالى: "ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين" [يونس: 106] أي المشركين، وقال تعالى: "فلا تدع مع الله إلهاً آخر فتكون من المعذبين" [الشعراء: 213]. وقال تعالى: "وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا" [الجن: 18]. وقال تعالى: "ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون* وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين" [الأحقاف: 5، 6]. فسمى دعاءهم عبادة، وقال تعالى: "والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير" [فاطر: 13، 14]. وهو الله سبحانه، فسمى دعاءهم شركاً، وقال تعالى: "ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون" [المؤمنون: 117]. فحكم بالكفر على من دعا غير الله.
وبهذا يتبين أن التوسل بالنبي –صلى الله عليه وسلم- أربعة أنواع، ولكل نوع منها حكمه وأدلته، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحابته وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين
مواقع النشر (المفضلة)