أحيانا يضطرك بعضهم إلى التورط في نقاش عقيم، أو يضطرك للانسحاب لأن لا فرصة للوصول إلى تفاهم، هم يرسلون ولا يستقبلون، أدمغتهم لا تحتلها سوى مساحات من العبارات المعلبة والأحكام المسبقة والأفكار غير القابلة للتغيير أو التعديل، هؤلاء من يدعون بأنهم"متدينون" ويبالغون في استخدام مفردة"حرام" أما الحلال من الأعمال فلا يرونه لأنه لا يمنحهم الفرصة لإصدار حكم أو إثبات وجود اجتماعي بقالب ديني فللدين هيبة اجتماعية وقدسية لا يمكن لأي منا تجاوزها وبالتالي نجد أنفسنا أحيانا متورطين بشكل أو بآخر بإضفاء هيبة وقدسية على الناطقين المزيفين باسم الدين ، لا لشيء إلا لأنهم يجيدون التحلي بقوالب الدين ويجيدون استخدام أدوات الجلد خاصتهم وأكثرها شيوعا وعراقة تاريخية "آداة التكفير" هذه الأداة البالغة الخطورة في مجتمعاتنا،هي الوصمة "الدين اجتماعية" التي قد تجعل من أحدهم منبوذا إلى غير رجعة .
هؤلاء المتربصون بأي حادث أو حديث لا يكتفون فقط بالتنبيه إلى ارتكاب الإثم-من وجهة نظرهم- بل يصدرون حكما على من يسيئون فهمه بسبق تعمد بأنه من أهل النار، أو يمنحون آخر تذكرة الجنة بناء على اتباع سلوكيات تنسجم مع منظومة قيمهم وفهمهم الخاص للدين وأحكامه.
بحسب فهمي ومعلوماتي فإن "الله" وحده هو العالم برواد الجنة والنار ،كما أن مقاييسه تختلف عن مقاييس حفنة مختلة من البشر لأن رحمته تسبق غضبه، لكن ما يحدث لدينا وما حدث تاريخيا هو أننا أضفنا إلى الخالق "جل وعلا" بعض صفاتنا نحن البشر، ولأسباب نفسية واجتماعية وثقافية أسأنا فهم الرحمة وأغفلناها واسبدلنا بها مفردات العذاب والنار والانتقام ،
إحداهن وقد احترمت وجهة نظرها وجهت لي عتابا مفاده أن تقديم الاستشارات الخاصة بالمحبين حرام ، ونبهتني إلى أنه من الواجب علي كمستشارة أن أنبه من يرسلون الاستشارة إلى أن الحب حرامط والنظرة الأولى لك والثانية عليك، ووصفت ذاتها بأنها أكثر علما من كثير من خريجي أو مدرسي الشريعة على الرغم من أن الشريعة ليست اختصاصها، وددت لو قلت لها حينها "الدين يدعونا للتواضع"لكن ولأنني اعتدت الإصغاء ولم أعتد الدفاع الهجومي فقد حرمت نفسي من تقمص دور المفتي ولو للحظات، أجبتها بمنتهى العلمية: لو كان الشاب أو الفتاة طالبو الاستشارة يتوقعون مني أن أهاجمهم بأدوات التحريم لما توجهوا لطلبها أصلا وكان كل منهما اتجه إلى أحد المتخصصين بالإفتاء، ماذا ستستفيد الفتاة التي وقعت في الحب من ردعي لها بعدما طلبت الاستشارة وقد شارفت قصتها على النهاية وهل ستعاود الحديث معي والتواصل لو استقبلتها بالجلد؟ وهل ستمنحني أو تمنح ذاتها فرصة لتعديل سلوكها لاحقا ؟الشباب تحديدا بحاجة لمن يتفهم مشكلاتهم ويتقبلهم كما هم بالصورة التي يصفون بها ذواتهم وتصرفاتهم مهما كانت مرفوضة أخلاقيا حتى على المستوى الشخصي، فلكي تسهم في توجيه إنسان أو إرشاده لا بد أن تتقبله ولا يصح مطلقا أن تكون صورة طبق الأصل عن منظومة "حرام، عيب، وينبغي ولا ينبغي" فهذه المفردات تم حفظها عن ظهر قلب والتذكير بها على الأقل في تقديم الاستشارة للمرة الأولى لن يجدي نفعا.
المضجر فعليا في موضوع الكتابة والكتابة في القضايا الاجتماعية هو ردود أفعال من يعتقدون بأن لديهم الحق والمعرفة في منح الكاتب صفة دينية مع تحديد موقعه من الجنة والنار، هم لا يدركون- وقد أتاني من بعضهم حكم مسبق مؤكد غير قابل للنقض بأنني من أهل النار ردا على مقالة"استشارة واستخارة"-لا يدركون بأن إصدار مثل هذه الأحكام تندرج تحت قائمة"الحرام" وأقول:"الله أعلم "فحتى اللحظة لم أمنح نفسي ولن أعطيها الحق في إصدار حكم مطلق حول الحلال والحرام وإن احتجت لفتوى فلن أتوانى في التوجه إلى أهل العلم والدين الحقيقيين المتوازنين نفسيا والذين لا يعانون من حاجة نفسية لاستخدام أسواط الجلد باسم الدين .