كنت عائدا من عملي وأقود سيارتي بإسترخاء بعد يوم شاق من العمل وقد تأخرت إلى ساعة ما بعد العصر ، إستوقفني مشهد عادة ما يستوقف معظم البشر أي وكأنه فخ نصب بإحكام ليوقع بنا ، إنه منظر الغروب . بما أن الشركة التي أعمل لديها قريبة جدا من شاطىء البحر كان لا بد لي أن أرى الشاطيء صباحا ومساءً ، لكن ما لفت إنتباهي كثيرا في هذه اللحظة هي الأفكار التي راودتني والشعور الذي استحوذ عليّ عندما أمعنت النظر إلى تلك اللوحة التي صورها الله جل جلاله فأتقنها مبدعا ومن مثله ليبدع بحجم هكذا صورة ؟ وبدأت أرسم في مخيلتي عدد الكم الهائل للأشخاص الذين استوقفهم هذا المشهد الخلاب الذي يأخذ بمجامع القلوب حابسا الأنفاس لما فيه من إيحاء روحيٍّ وحزن عميق لا يعرف كنهه أحد ، وبمجرد حلوله يعني الأفول ونحن بني آدم لا نحب الأفول ولا الآفلين لأنه يعني لنا بإنقضاء يوم آخر من عمرنا حاملا في طياته ذكريات أليمة حزينة ، فكم من حبيب فارق حبيبه في مثل هذه اللحظات لحظات الغروب ، وكم من عزيز رحل وإلى الأبد عن أحبائه ، وكم من قلب إنكسر كما الأمواج تتكسر على صخور قبالة هذا الغروب العظيم . إنه يوم قد ولى بمجرد إحتضان البحر للشمس متغلغلة في غياهب ظلماته فنشعر بإنقباض نفسي فنسأل المولى عز وجل هل لنا من يوم جديد فإذا شاء يكون هناك يوم جديد في الصباح الذي يفك أسر شمسنا معلنا ولادة فجر جديد . فلا ننسى هذا الغروب كم جمع تحت ظلاله وحمرةِ ألوانه كثيرا من القلوب المليئة بالحب ولطالما وعلى إمتداد الزمن وقف أناسٌ متأملون في عظمة الخالق وكم من شاعر وأديب ومفكر وعاشق وقفوا على شاطيء الأحلام الشاطيء الذي يسمح لنا بمشاهدة رؤيا الزواج المقدس بين الشمس والبحر ولا يُشهدنا على طلاقهما . فكم استلهموا منك يا غروب من أفكار نيرة وجميلة .
وهنا استفقت من تأملاتي التي سرقتني من العالم المحيط بي على دمعة ساخنة ترقرقت فوق خدي تنساب بحرارتها لتسقط في مياه البحر وكأنها أحيت في داخلي ذكريات دفينة ومؤلمة وحنينا كان يعيش في وجداني لم ولا يزل
مواقع النشر (المفضلة)