قال وزير الدولة لشؤون الاعلام والاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور نبيل الشريف ان تغييرات جوهرية طرأت على المشهد الإعلامي العالمي في السنوات الأخيرة وحدثت تحولات جذرية في مفهوم الإعلام ذاته بسب هذه التطورات.واضاف في محاضرة مساء الخميس حول "الصحافة الالكترونية بين الحرية والمسؤولية" نظمها منتدى السلط الثقافي "ان الإعلام يعرف على انه رسالة يتم إرسالها من طرف فيتلقاها طرف آخر.. ولكن هذا التعريف بحد ذاته أصبح بحاجة إلى إعادة النظر على ضوء التغييرات التي طرأت على المشهد الإعلامي، فالمتلقي أصبح مرسلا في نفس الوقت فمن يتلقى المعلومة على موقع الكتروني أو عبر الانترنت يستطيع أن يتحول إلى مرسل ويعلق وبالتالي يصبح شريكا في عملية التواصل الإعلامي".وبين الشريف ان الاردن سجل سبقا بين دول العالم في العمل على تعزيز آفاق عمل الصحافة الالكترونية لتقوم على مهنية عالية وحرية مسؤوله تحترم الرأي والرأي الآخر، وقد شكلت استجابة مؤسسات الدولة للتحولات والتغيرات في المجال الإعلامي ومنها الصحافة الالكترونية تطورا ملحوظا وغدت هذه المواقع فضاء رحبا للتواصل وتبادل المعلومات.واشار الى ان من أهم خصائص الإعلام الجديد وهو الإعلام الالكتروني ميزتا الآنية والتفاعلية والمقصود بالآنية هو نشر الخبر ساعة وقوعه، فالصحافة العادية أو التقليدية تنشر الخبر الذي يحدث الآن في اليوم التالي وقد يكون هناك فارق ساعات عديدة بين وقوع الخبر ونشره أما في الإعلام الالكتروني فالمعلومة تنشر لحظة وقوعها او بعد وقوعها بدقائق أو حتى ثوان فهذه ميزة ولكنها تنطوي على سلبيات عدم الدقة والتسرع في نشر معلومة غير دقيقة، والميزة الأخرى هي ميزة التفاعلية بمعنى ان المواطن يستطيع أن يتفاعل مع الخبر ويبدي رأيه حول المعلومة التي يتلقاها وبالتالي هو ليس متلقيا سلبيا ولكنه متفاعل مع ما ينشر من خلال إبداء رأيه أو تعليقه.وتابع الشريف إن الإعلام الالكتروني يقوم على حرية اختيار مصدر المعلومات والقدرة على الوصول إليها، وفي الوقت عينه على الشفافية وإتاحة الفرصة لإبداء الرأي إلا أن هذه الحرية والشفافية المتوفرة لا تعفي من المسؤولية المهنية لرؤساء تحرير وناشري المواقع الالكترونية والصحفيين أيضا من حيث منع نشر أي مادة صحفية إن لم تكن منسوبة إلى مصدر وموثقة بالشكل الصحيح، بل ويجب على المواطن أيضا أن يقوم بدور القارىء المتفحص للمعلومة والموقع الالكتروني، وأن نمارس جميعا ليس دور الرقابة بما تعنيه من قمع وضبط وإنما تقييم التجربة وتصويبها إن أمكن فكل مواطن مسؤول وكل مواطن رقيب. وقال الشريف " أصبح كل مواطن صحفيا بسب الثورة الإعلامية التي عصفت بالمشهد الإعلامي في السنوات الأخيرة فمن خلال المدونات يستطيع أي مواطن ان يخاطب العالم ويرسل رسائله إلى الناس وهذا هو العمل الصحفي، والهدف أن تصبح الرسالة الإعلامية في متناول الآخرين وهذا هو جوهر الإعلام فالمواطن أصبح الآن صحفيا يستطيع أن يكتب ويعلق ويخاطب العالم كما ان المواطن يشارك في صياغة المشهد الإعلامي من خلال الصورة فيستطيع عبر هاتفه المتنقل أن يلتقط أي صورة ويضعها على موقع الكتروني فتصبح ملك العالم كله" .واضاف " في السنوات الأخيرة فان أهم الصور التي شغلت الرأي العام لم يلتقطها صحفيون محترفون بل مواطنون عاديون وأشير إلى صورة تفجيرات لندن وصور إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، هذه الصور لم يلتقطها مصورون محترفون بل التقطها مواطنون عاديون وأصبحوا صحفيين بمعنى من المعاني". وتابع الوزير "إن إشراك الناس في العملية الإعلامية هو تطور ايجابي فلم يعد العمل الصحفي حكرا على المحترفين وهذا يثري العمل الصحفي نفسه، وقد بدأت العديد من الصحف التقليدية الاعتماد على كتاب المدونات المنتشرين في العالم كله واعتبارهم مراسلين متعاونين مع الصحف ومن خلالهم تستطيع ان تعرف ما يجري في العالم كله، فكاتب المدونة الذي يعيش في احد أحياء بغداد مثلا يستطيع ان يرصد كل ما يجري أكثر من أي صحفي محترف قد يأتي إلى المدينة ويخشى حتى من التجول في أحيائها ولكن المواطن الذي يعيش في احد الأحياء ويعرف كل تفاصيله يعتبر أقدر على نقل الحقائق أكثر من الصحفي المحترف".واكد الشريف ان السؤال الذي يطرح نفسه هو هل تشكل الصحافة الالكترونية خطرا على الصحافة التقليدية، هناك الكثير من الدراسات التي أجريت على هذا الموضوع ومعظمها يشير إلى ان المستقبل الذي يواجه الصحافة التقليدية محفوف بالمخاطر، ونشرت بعض الكتب حول هذا الموضوع أشهرها كتاب "الصحيفة المنقرضة ، بل ذهب البعض إلى حد القول ان آخر صحيفة ستصدر من المطابع سيكون في العام 2020، وتبارى الباحثون والدارسون في الحديث حول هذا الأمر وذهب بعض الكتاب الساخرين إلى حد القول ان الصحيفة ستبقى مهمة طالما انك لا تستطيع ان تقتل ذبابة بواسطة جهاز الحاسوب. وقال الشريف "لقد كنت من القائلين إلى عهد قريب ان الصحافة التقليدية في مأمن وأنها لن تتأثر ولكني بدأت في الفترة الأخيرة أعيد النظر في هذا الأمر وأقول أن الصحافة التقليدية تواجه خطرا حقيقيا من الصحافة الالكترونية والدليل على ذلك أن عددا كبيرا من الصحف الكبرى في الغرب إما أنها أوقفت نسختها المطبوعة واكتفت بالنسخة الالكترونية أو أنها اختفت كليا أو أنها في بعض الحالات قلصت حجمها المطبوع مثل صحيفة "يو اس اي تودي" حيث قلصت حجم الصفحة، وصحيفة "كريستيان سينس مونيتور" اختفت كطبعة تقليدية وبقيت فقط النسخة الالكترونية وأصبحت الصحف تولي مواقعها الالكترونية اهتماما كبيرا، وأنا أقول ان مستقبل الصحافة التقليدية قد يكمن في طبعاتها الالكترونية فقط ويمكن للطبعات الالكترونية أن تكون ناجحة شريطة توفر المردود الإعلاني، ويمكن ان يكون هناك مردود إعلاني للصحافة الالكترونية والدليل ان المواقع الالكترونية العادية وخاصة الكبرى منها لديها حجم جيد من الإعلانات، فإذا ما استطاعت الصحف ان تضمن نجاح مواقعها الالكترونية من حيث المردود المالي فيصبح المستقبل في هذه الحالة هو للصحافة الالكترونية، ولكن الصحافة الالكترونية تحتاج إلى خبرة وتقاليد الصحافة المطبوعة، فالفرق بين الصحافة الالكترونية والمطبوعة ان المطبوعة تعتمد على خبرات مهنية كبيرة فيما المدونات يكتبها أناس عاديون لا توجد لديهم الخبرة الصحافية الكافية.واوضح ان المستقبل مشروط بوجود نوع من التجسير بين خبرة الصحافة المكتوبة والإمكانات اللامحدودة للصحافة الالكترونية وهذا ما تفعله بعض المواقع الالكترونية الأميركية وأشهرها موقع "هافينغتون بوست" الاميركي الذي أدرك رغم نجاحه الكبير انه يفتقر إلى التحقيقات الصحفية الكبيرة التي فجرت قضايا رئيسة في المجتمع الاميركي مثل قضية ووترجيت وقضية غزو خليج الخنازير، هذه القضايا فجرتها الصحافة مثل صحيفة "واشنطن بوست" وما لم تستطع المواقع الالكترونية خوض غمار التجربة الصحفية في كل أعماقها فإنها ستبقى على الهامش فإذن المطلوب خلق نوع من التجسير أو التعاون أو التكامل بين خبرة الصحافة التقليدية وبين إمكانات الصحافة الالكترونية وبهذا نستطيع ان نشكل صحافة أو إعلاما يستطيع ان ينافس في المستقبل.وشدد الشريف على ان العملية الإعلامية تحلق بجناحين احدهما الحرية والآخر المسؤولية ولا يمكن للعمل الإعلامي أن ينجح اعتمادا على جزء واحد من هذه العملية، فالحرية يجب أن تقترن بالمسؤولية وليس صحيحا كما يقول غلاة الإعلاميين أن أي إضافة على كلمة الحرية تلغيها، فإذا قلت الحرية المسؤولة فكأنك تلغي الحرية، انني أقول أن المسؤولية تحصن الحرية وتضمن ديمومتها وتحول بينها وبين الشطط فعندما يكثر شطط الإعلام وتغول الصحافة وتجاوزها على الحريات يخلق جو عام معاد للحرية ويسهل حينذاك اتخاذ إجراءات معادية للحريات الصحافية.واضاف "يجب على الإعلام الالكتروني ان يراعي حدود المسؤولية في العمل الإعلامي بشكل عام وان يتوخي الدقة فيما ينشر ويبتعد عن تجريح الأشخاص ونشر المعلومات قبل التأكد منها وكلنا نعرف أن بلدنا شهد في الآونة الأخيرة حالة فلتان غير مقبولة في بعض وسائل الإعلام تحديدا حيث نشرت الكثير من المقالات التي تسيء إلى الوحدة الوطنية وتشكك الناس في وطنهم وفي مستقبل هذا البلد مما دفع جلالة الملك وللمرة الثانية خلال عام أن يتدخل ويضع حدا لهذه المهاترات ولهذا الكلام اللامسؤول". وقال الشريف إن حالة الفلتان لا يمكن أن تستمر وهي تهدد الحرية الصحافية كلها وهناك مسؤولية على كل الصحفيين والإعلاميين ان يضعوا حدا للكتابات غير المسؤولة والتعليقات الخارجة على حدود المنطق، وما لم يفعل الصحافيون ذلك فان حالهم يكون كحال من رأى أناسا يثقبون السفينة ولم يأخذوا على أيديهم وهو الطبيعي في هذه الحالة أن تغرق السفينة أمام أعين الجميع. واضاف ان الإعلام لا يمكن أن ينجح وان يحقق أهدافه في خدمة الحقيقة إذا كان هناك منابر غير مسؤولة ولا تراعي مصالح الوطن العليا وتهدد مكونات هذا الوطن والتي تخرج عن المهنية وتهدد أسس الحرية الإعلامية التي نتمتع بها في بلدنا وبالطبع الحرية يجب أن تقترن دائما بإطار المسؤولية.واوضح الشريف انه ثمة ضرورة وحاجة للحديث عن المعايير المهنية والضوابط الأخلاقية وان يتم التركيز في وسائل الإعلام على المعايير المهنية والضوابط الأخلاقية وهي لا تعيب أحدا حتى في كبريات المؤسسات الإعلامية الغربية هناك دائما مدونة سلوك أخلاقي يوقع عليها الإعلاميون قبل العمل في الوسيلة الإعلامية او في الصحافة.وتابع الواجب الأول والمسؤولية الكبيرة تقع على المؤسسات الإعلامية الرسمية والأهلية ووسائل الصحافة والإعلام في ضرورة تطبيق القوانين وتفعيل مواثيق المهنة لمحاسبة المسؤولين عن بث هذه الإشاعات والسموم المسيئة حفاظا على حرية الرأي والتعبير ومنع أي إساءة للأردن واستقراره.. إذن المسؤولية هي التي تحمي الإعلام سواء التقليدي او الالكتروني ولكن ما نشهده في المواقع الالكترونية الآن وخصوصا في التعليقات يمثل خروجا على كل التقاليد المهنية وضربا بالحائط بكل الأعراف الأخلاقية في العمل الصحفي وهذا لا يمكن ان يستمر ولا يمكن ان يعيش لأنه يعرض البلد إلى الكثير من حالات الخروج على القوانين وينتقص من حقوق الناس العاديين ويجعل أعراض الناس وحقوقهم نهبا لكل من تسول له نفسه الكتابة كيفما شاء والحكومة في نهاية المطاف مسؤولة عن حماية المواطنين ولا يمكن لها أن تسكت إزاء هذا الوضع، خصوصا وانها أعطت المواقع الالكترونية منذ اربعة شهور وقتا كافيا لضبط نفسها، والوصول إلى ضوابط ذاتية لعملهم ولكن هذا لم يتم ولم يحدث شيء على صعيد الضبط الذاتي للمواقع الالكترونية كما تم الاتفاق عليه، وبالتالي فالحكومة مطالبة بحماية المواطنين من هذا التجني وهذا الخروج اللامسؤول على المصالح الوطنية العليا الذي تمارسه بعض المواقع. واكد الشريف ان إعلام الوطن هو العين الباحثة عن الحقيقة وتقصيها لا عن نشر أنصاف الحقائق وترويج الإشاعات وهو الإعلام الذي يضع تعظيم المصلحة الوطنية العليا أولا وليس المصالح الشخصية والفئوية الضيقة وهو الأمر الذي ينطوي عليه مسؤولية كبيرة على الإعلام بأشكاله المقروء والمكتوب والمرئي، صحافة وإعلاما فضائيا والكترونيا لدوره الهام في مسيرة الأردن وتقدمه وحماية ثوابته. واختتم الشريف محاضرته بالقول ان المواقع الالكترونية هي إعلام المستقبل وهي الفضاء المفتوح أمام كل الإمكانيات ونحمد الله أننا في الأردن حققنا مكاسب كبيرة على صعيد الحريات الإعلامية ونامل أن يكون هذا الإعلام الجديد قادرا على مواجهة تحديات المستقبل بالعمل ضمن إطار الحرية المسؤولة وفي نهاية الأمر فان الضوابط التي يجب أن تتبلور ستكون خير صيانة للحرية وخير ضمانة لنجاح الإعلام في الحاضر والمستقبل.

تفاصيل الخبر هنا...