. . . هي طريقة في التعبير كثيرا ً ما قدّ نلجأ إليها حين لا نجد موضوعا ً نكتب فيه ، على كثرة المواضيع وكثرة الإثارات من حولنا ، ما أكثر ما تموت الفكرة ويخمد الإحساس لا عجزا ً ولا كسلا ً ، وإنما قد يكون تهرّبا ً من الكتابة في موضوع قد لا نستطيع أن نقول فيه الحقيقة أو ما نعتقد أنه الحقيقة ، فليس هناك حقيقة ثابتة إلا الحقيقة المطلقة كما يقول الفلاسفة ، وهذه الطريقة دعونا نطلق عليها إن أمكن ولو مجازفة ً طريقة "اللاموضوعية" لربما قد تريح أعصابنا المكدودة من أثر المعاناة وقسوة التجارب التي تعبر بنا أو نعبر بها ، مع علمي الأكيد بأن تمردنا على العبثية بحدّ ذاته هو عبث في عبث ، مصداقا ً لقول برناردشو "القاعدة الذهبية عندي هي اللاقاعدة" .
فليس صحيحا ً ان موضوعي هذا المعنون بـ "من غير موضوع" هو من غير موضوع ، وإنما قد يكون ضربا ً من ضروب الخروج عن المألوف ، وكأني بالإنسان لربما قدّ يمل حتى من سماع أو قراءة الكثير من العناوين المكررة لكثرة ما لاكتها الألسنة و أعادت كتابتها الأقلام ، فهو يحاول فقط أن يغيّر أو يجدد إنْ صح التعبير حتى في العناوين .
فالإنسان ككل شيء في هذا الوجود يملّ الجمود بل يكرهه بمقدار ما يُحب التغيير والتبديل ، فلا بد أن أكون واقعيا ً لأسجل ما أحس به الآن وأنا أتلمس لوحة المفاتيح السوداء التي أمامي آملا ً بأن أعبّر عن نفسي تعبيرا ً صادقا ً لا إعوجاج ولا كذبَ فيه ، فأنا أسمع خارج غرفتي أصوات الجيران المزعجة ، ولا سيما صوت صاحب البيت الذي أسكنه بعد رحيل طويل بين سنوات هذا العمر القصير ، ما علاقة هذا الكلام بالموضوع ...!!! أضن أن هُناك كُلّ العلاقة بين مسكني وحياتي ، فمن يحيا حياتي لا بد من أن يحس ويفكر كما أحس وأفكر "وبكلمة أخرى" لو عاش الناس في بيئة واحدة - وهذا مستحيل طبعا ً- لأشبه الناس بعضهم بعضا ً في كُلّ شيء ، فمن حكمة الخالق العظيم هذا التباين و الإختلاف بين الناس .
أنا لا أشكو ولا أتذمر وإنما أقول بأنني مغبون في هذه الصفقة – صفقة الحياة - ككل إنسان عاش ومات على هذه الأرض ولا عبرة فيها من متع ولحظات هنيئة وبسمات - فمتعها غالبا ً ما يعقبها الندم ولحظاتها الهنيئة لا تقاس بغصاتها وأحزانها ، وبسماتها تظهر بقعة صغيرة في بحر دموعها وآهاتها . . . ستقول أخي القارئ بأن هذا إغراق في التشاؤم والجحود لنعمة الحياة التي وهبنا اياها الخالق العظيم ، وفضلا ً عن ذلك فهذا اللون من الكتابة أسود قاتم لا يصلح غذاء للعقول والنفوس ...!!!
وأقول لك بدوري إنـّها الحقيقة التي تتراءى لي من مرآتي . قد تقول أيضا ً :- اترك مرآتك أو استبدلها بمرآة أخرى حتى ترى فيها عالما ً يفيض بالحب والخير والجمال لا عالما ً تعيثُ فيه الغيلان والسحالي ويصبغ سماءه لونك المحبب الأسود ، وأرد عليك بقولي أن اللون الأسود هو فيلسوف الألوان جميعا ً بل ان الألوان جميعها موجودة ٌ فيه وهو لون الحياة الحقيقي في إعتقادي وفي اعتقادك أيضا ً ، وإذا قلت أن اللون الأسود في الفن يبعد الناس عن ذلك الفن وينفـّرهم منه ، أجبتك بان الإنسان من طبيعته أن يهرب من مواجهة الحقيقة ويخافها بل يرتعش رعبا ً أمامها ، فالموت كالحياة / حقيقة أزلية أبدية ومع ذلك فنحن - لجهلنا الحياة – نكره الموت ونقبل على الحياة بنهم وغرور بالغين ، ناسين أو متناسين أنها شيء واحد غير منفصل إلا إذا استطعنا أن نفصل بين الليل والنهار ...!!!
مواقع النشر (المفضلة)