. . . أوغلتُ في البحث, وشُرفاتُ النهارِ تواطأَََ عليها جواسيسُ العتمة, وعَلَتْها أصابعُ الغبار وعَرَقُ المسارب. ما زال قلبي يدقُّ, ودمي يفرُّ من رعاعِ الماء, وعيناي تبحثان في تجاويف الدهليز عن الشعاع . كلُّ الذين معي ذابوا, التهمتْهم بكتيريا الدهليز وبقيتُ وحدي أغالبُ نفسي الأمّارة ... وليس في واجهةِ كهفي إلاّ الشعاعُ, أين هو ...؟؟؟
تضجُّ الأسئلة في رأسي, اعرفُ انه مختبئ هنا, فأقومُ من جديد لأتهجّى سطورَ الدهليز ... لعلّ ...!!!
* * * * *
التفتُ إلى الخلف, الأبوابُ موصدةٌ ولا فائدةٌ من العودة والنكوص, والاندفاعُ إلى الأمام محفوف بالغيلان والعتمة والأوباش ... والوقوفُ غير ممكن ... فما العمل إذاً ...!!!؟؟؟
* * * * * * *
الحيرةُ تنهشُني, وكلُّ الذين يمكنْ أن استضئَ بهم تلاشوا على كف النهار, وترسبتْ أنفاسُهم ثقوباً في الذاكرة,هم وَشْوشةُ الصمتِ انقلُهم معي.. ماذا لو خلعتُ ذاكرتي؟! هل سأظل أنا أنا ...!!!؟؟؟
سؤالٌ فاضح أبعدتُهُ عني ... غرقتُ في فضاء الدهليز؛فالعتمة ُ تُعربدُ من كلِّ الشقوق والثنايا, وعليّ أن استرِدَّ الشعاعَ الأخير الذي تسلل من بين يديّ إلى أحد هذه التجاويف المتكوّمةِ أمامي ... ما يزيد عن الثلاثين تجويفاً علِقْت في قاعِ العمر, تركضُ في دمي, تدورُ في حدقة عيني, أُلاحقُها منذ تلك الصرخةِ المؤذنةِ بالأفول ... عليَّ أن أحملقَ قي تلك التجاويف فالشعاع ُفي أحدها ... آآآآآآآخ, كنتُ ذات مساء أبحثُ عن أقحوانةِ الجبل, فصعدِتُ سُلّماً طويلاً ووصلتُ إلى قمة الجبل ولكن الأقحوانةَ اعتصمتْ بجبل آخر ... آآآآآآآآخ, والشعاعُ ...!!!؟؟؟ يا لهذه الرحلة المضنية ...!!!
* * * * * * *
كان ذلك قبل أكثر من عامين حين حطّتْ بي أجنحةُ الرغبةِ على واحدة من شرفاتِ النهار, وتسلّمني حارسُ الدهليز, وضمّني إلى قافلةَ الراكضين تحت مركبة الشمس ... نبتُّ على حواف الطريق حائراً, متلدداً, احمل زوّادتي, وهذا الرأس الذي يُثقل كاهلي, ودميّ يلازمني ليلاً نهاراً, وركضتُ مع القافلة التي تجانسَ أفرادُها لمواجهة مجاهل الدهليز ...!!!
العتمة والخفافيش والتجاويف المتربصة قضمت الكثيرين ... البعضُ يقاوم ... قبائل الأفاعي وعصابات العقارب تطلُّ من الشقوق وتغمرنا بالرعب والموت, ونحن نلهثُ وراء الشعاع الأخير هنااااااك لنخلصَ من قبضةِ الدهليز ... مضى الذين أستضيء بشجاعتهم ... وبقيتُ وحدي ...!!!
* * * * * * *
أبكي, اصرخ, اصمت ... أين دموعي ..!!!؟؟؟ احتجُّ ... لا شيْ أمامي إلاّ حيطان الصمت ... مرعبٌ أن ترى نفسك وحيداً في رحلةٍ متدحرجة فوق بيدر من الجماجم ... والشعاعُ المختبئ في أحد التجاويف عزيزٌ إلى حد الوهم ... إلاّ أنه موجودٌ دون شك .. .!!!
* * * * * * *
حدثتني إحدى عجائزِ الأفاعي ذات ليلة إن الشعاعَ الذي ابحثُ عنه موجود هناك في ثنايا التجاويف ... ضحكتُ . فقالت بعدوانية : وما الذي دعاك إلى الضحك ...!!!؟؟؟
قلت مرعوبا : اعرف, اعرف أن الشعاع هنا ,ولكن يا سيدتي في أي تجويف منها ...؟؟؟ قالت : تعالَ معي ... هيا قُمْ أدلَّكَ عليه. خفتُ من العرضِ, وطفحَ إلى سطحِ الذاكرة أشياءُ كثيرة , فأنا مقروصٌ من هذه الخدمات منذ آدمْ ... ترددت من الردِّ لأن إعادة التجربة مرة ثانية ستكلُّفني كثيراً ... أدركت الأفعى ما أنا فيه فقالت بحزم : تعالَ لا تخف, أنتَ الآن على الأرض ... اعرفُ ماذا يدور في رأسك ... تعالَ , تعالَ ...!!!؟؟؟
قادني ضعفي الأزلي إلى عينيها, وتبعْتُها ... كان الشعاع يهرب من تجويف إلي آخر وأنا والأفعى العجوز نطارده دون طائل ... وفي لحظة مثل القدر اصطدم رأسي بحائط صلد, فطار مخي منه وقفز الدم من كل جسمي, وانزرعتْ عيناي هناك في أعلى سقف الدهليز .وتبعثر باقي جسدي خارج قدرتي, وصرخت بكل قوتي ... آآآآآآآآآآآآآآآآآخ ...!!!
* * * * * * *
فركت عيني, وحملقت في الشمس التي ما زالت تتلكأ في المغيب ... في حين كان ضلي يسحب أصابع قدمي ويطل في عيني ويصرخ : ماذا, ماذا حدث .. ماذا حدث يا رجل ...!!!؟؟؟
رددت من وراء حطامي : لا ادري ...!!! قال: كيف ...؟؟؟ أنت, أنت ... قلت : كنتُ ابحث عن الشعاع ... اركض وراءه ... سألني المسكين وهو يضحك : وما الشعاع, وهذه الشمس تنامُ عليك ...!!!؟؟؟
قلت : الشعاع غاب في الدهليز, والتجاويف الثلاثون أخفتْهُ . تحسستُ رأسي وأطرافي وعينيّ ... قهقه ظلي وهزَّ رأسه وقال : تعال معي لندخل دهليز الدار, ونبحث عن الشعاع هناك ...؟؟؟
وتساءلتُ: والأفعى ...!!!؟؟؟
نفرَ مني ظلي وهو يقودُني: ما لها الأفعى ...؟؟؟
ضحكتُ وأنا اردد : لا شئ ... لا شئ ... لا شئ ...!!!
مواقع النشر (المفضلة)