كانت شاحنة الديزل تنفث في شارع اليرموك خيطا من أدخنة امتدت مئات الامتار سممت هواء المنطقة، راسمة غيمة في سمائها، بينما تؤكد ارقام رسمية ان احياء في العاصمة عمان، بينها "وادي الرمم" تعاني تلوثا عاليا أضفى على مبانيها سوادا يثير الاكتئاب، على حد وصف مواطنين. وبينما تغرق الاف سيارات الديزل عمان في بحر ادخنتها، راسمة سحبا تكاد تكون صورة لازمة لاحياء العاصمة الشرقية، تظهر الارقام الرسمية ان وسط البلد وراس العين وماركا ووادي الرمم تستحوذ على النسبة الاكبر من التلوث. وعلى وقع هذه الارقام وما تستتبعه من اجراءات رسمية تبدو عديمة الجدوى، حسبما افاد مواطنون، فان خطرا صحيا لا ينكره الخبراء يدهم العاصمة، محذرين من مغبة الاستسلام لهذا الواقع في مدينة يقترب عدد سكانها من المليوني نسمة. منطقة وسط البلد المجاورة لوادي الرمم تبدو متسيدة لمشهد التلوث وهي تقع في بؤرة اهتمام الدراسات الرسمية، ومن بينها تقرير للربع الاول من العام الحالي حول مراقبة تركيز ملوثات الهواء الخارجي في عمان، ان هناك تجاوزا للحد الأقصى المسموح به في المواصفة القياسية الاردنية للأغبرة العالقة الكلية والبالغة 260 ميكوغراما للمتر المكعب الواحد كمعدل يومي. أما منطقة ماركا فقد تصدرت قراءة التلوث بالاغبرة الكلية بنسبة تجاوز بلغت 43 بالمئة. وبعدما يؤكد أن مناطق وسط البلد وماركا ووادي الرمم تعاني تلوثا لا تعرفه مناطق اخرى في العاصمة، يلاحظ الناطق الإعلامي باسم وزارة البيئة عيسى الشبول، أن جغرافية هذه المناطق الوعرة تستدعي استخداما اكثر لوقود الديزل ما يضاعف انبعاثه وهو غير مكتمل الاحتراق. الشبول يلفت الى ان الديزل المستخدم مخالف للمواصفات الأردنية، لكن العمل جار مع مصفاة البترول لتحسين نوعيته كي يطابق المواصفات الأردنية والأوروبية، مثلما حدث مع البنزين حين جرى سحب مادة الرصاص منه واستبدالها بمادة "ام تي بي". وقال ان هناك خيارا آخر للتخفيف من انبعاثات عوادم سيارات الديزل باستيراده مكررا. وللرصاص آثار سلبية على الصحة العامة، خصوصا على الأطفال، وهو يسبب السمية العصبية، اما أذا تجاوزت تراكيزه 70 ميكوغراما لكل 100مل فتسبب مشكلات حادة في الاعصاب، مثل النوبات والغيبوبة واحيانا الموت. كذلك تؤكد ارقام مراقبة ملوثات الهواء الخارجي في عمان، التي اجرتها وزارة الصحة، ان هناك تجاوزا للحد الأقصى المسموح للأغبرة العالقة الكلية والبالغ 260 ميكوغراما /م3 كمعدل يومي، في منطقة وسط البلد ومحطة الشميساني ومحطة ماركا، حيث بلغ التجاوز 67%،14%،75% من مجموع العينات قياس الربع الثاني من العام الحالي. ولدى مقارنة المعدل الفصلي لمحطات رصد الغبار في وسط البلد والشميساني وماركا تبين أن أعلى معدل فصلي للاغبرة العالقة الكلية في محطة ماركا بلغ 482 ميكوغراما /م3 تلتها محطة وسط البلد بـ437 ميكوغراما /م3 فمحطة الشميساني بـ 114ميكوغراما /م3. و أظهرت الدراسات أن أعلى تركيز للاغبرة العالقة الكلية كان في 10 حزيران الماضي في محطة وسط البلد 901 ميكوغرام/م3 ، وفي ماركا 817 ميكوغراما / م3 أما الشميساني فكانت 381 ميكوغراما /م3 . ويرجع فني الصجة والبيئة في وزارة الصحة عبدالله حياصات، هذا الارتفاع الى الرياح الشرقية خلال معظم ايام القياس. وتستأثر امراض الجهاز التنفسي على الغالبية العظمى لمراجعي مراكز وزارة الصحة، التي تؤكد مصادرها انها لم تقم باية دراسات وبائية للربط بين تراكيز الملوثات والامراض المحتمل أن تنجم عنها. المدير التنفيذي للبيئة والنظافة في أمانة عمان المهندس زيدون النسور، قال ان مشروعا جديدا ستبدأه الامانة مع وزارة البيئة لرصد نوعية الهواء في جميع محافظات المملكة لتحديد مواقع إقامة محطات رصد تلوث الهواء، لافتا الى أن منطقة جمرك عمان في القويسمة تعاني تلوثا عاليا بانبعاث الغازات أعلى من المعدلات المعتادة، لكنه لم يفصح عن ارقام بعينها. وقال ان تعليمات الأمانة تمنع تنظيف واجهات العمارات بالقذف الرملي الذي يؤدي إلى تطاير الغبار، لكن مواطنين وشهودا عيان كثرا يؤكدون أنهم يشاهدون يوميا ورش عمل تقوم بعمليات التنظيف هذه في ما يعد مخالفة صريحة لتعليمات الامانة التي تحدث عنها المهندس النسور . المقدم المهندس رامي الدباس من إدارة ترخيص السواقين والمركبات أعلن انه تم فحص نحو757401 سيارة حتى نهاية تشرين الأول الماضي في جميع المحافظات وعدد السيارات المسجلة في العاصمة 550269 الف سيارة, وقال الدباس ان صيانة دورية لمركبات الديزل تمنع انبعاث الدخان منها بشكل كثيف، موضحا ان لدى الإدارة طريقتين لفحص المركبات، تعتمد الاولى على المعاينة الظاهرية للدخان المنبعث، وهو وما يؤكد حاجة محرك المركبة للإصلاح، فيما تجرى الثانية بأجهزة متطورة لفحص عوادم محركات البنزين والديزل. وزاد موضحا أن أجهزة فحص العوادم تقيس نسبا محددة لانبعاث غازات، أول أوكسيد الكربون بنسبة 5% أو أقل، والهيدروكربون بنسبة 600 جزء بالمليون أو أقل، والأوكسجين بنسبة 6% أو أقل، وأخيرا ثاني أوكسيد الكربون بنسبة 10% أو أكثر. أما بالنسبة لمركبات الديزل، فلا يزيد اعتماد كثافة الدخان العادم على 70%، حسب الدباس. وكانت الشرطة البيئية اعلنت انها فحصت 47521 مركبة في الفترة من 14 حزيران الماضي الى 4 الشهر الحالي، بينما جرت مخالفة 5085 مركبة منها 4505 تعمل بالديزل و580 بالبنزين. وقالت الشرطة ان 10% من السيارات التي تم ضبطها كانت مخالفة في انبعاث العوادم بتجاوز عتامتها نسبا مسموحا بها، وهي لا تتخطى في الديزل حاجز 70% . ووفق دراسات علمية مصدرها وزارة الصحة فان ملوث ثاني اكسيد الكبريت الموجود في الديزل يسبب متاعب في الجهاز التنفسي عند التعرض لفترات قصيرة تتضاعف الى التهاب الشعب الهوائية الحاد عند التعرض لفترات طويلة . كما تؤكد هذه الدراسات ان التعرض للجسيمات العالقة في الادخنة يؤثر على كفاءة الجهاز التنفسي، فضلا عن ان للتعرض لثاني اكسيد الكبريت والجسيمات العالقة معا علاقة بامراض القلب والاوعية الدموية، بينما يسبب التعرض للرصاص تغييرا في انزيمات الدم والانيميا (فقر الدم ) وحساسية مفرطة وتأثيرات سلوكية عصبية، اما التعرض لثاني اكسيد النيتروجين فيؤثر بحدة على رئتي المصابين بالربو. وتقوم مديرية صحة البيئة في وزارة الصحة منذ العام 1993 بتنفيذ برامج متقطعة لرصد نوعية الهواء المحيط داخل المدن للتأكد من تلبيتها لاشتراطات المواصفات الوطنية لارتباطها الوثيق بالحفاظ على سلامة البيئة، وصحة الانسان . وتؤكد الدراسات الرسمية ضرورة تحسين نوعية الوقود الاردني بشكل عام ونوعية زيت الوقود الثقيل والديزل خصوصصا، لخفض نسبة الكبريت فيهما. وتوصي درسات رسمية بابعاد مواقع المصانع والورش التي تتعامل بالرصاص عن المناطق السكانية، وعدم تخصيص مواقع للمجمعات السكنية قرب الشوارع الرئيسية، ورفع مستوى الوعي العام بالاثار الضارة للرصاص، واساليب تقليل تعرض الاطفال للرصاص. في غضون ذلك، دعا قانونيون الى توضيح تشريعي لمفهوم دعاوى التعويض عن الضرر البيئي، اذا ما قدمت دعوى للمحكمة، واحداث غرف متخصصة في المحاكم تعنى بالشأن البيئي، لافتين الى دعاوى سابقة مثل الضرر من مصنع الاسمنت في الفحيص وسواها. بترا
تفاصيل الخبر هنا...
مواقع النشر (المفضلة)