بقلم سماء ميشيل الهلسة
كم هو رائع ذلك اليوم الذي تستيقظ فيه على صوت تغريد الطيور والحساسين، ترتدي ثيابك على أنغام فيروز الصباح، تخرج من بيتك متجها إلى الجامعة حاملاً في يدك دفتر محاضراتك وتملئ قلبك رغبة العلم إشراقا..تدخل الحرم الجامعي..يستقبلك الحارس بابتسامة عطرة تعني "من فضلك الهوية" تخرج الهوية له، يشكرك على لطفك..تسير في الجامعة وأنت تهيأ نفسك للمحاضرة مستنهضاً حماسك، مستجمعا أفكارك، متشوقاً لتنهل المزيد من العلم في تخصصك، تدخل المحاضرة تستقبلك كلمات دكتور المادة اللبقة العذبة ب "صباح الخير يا رشا"، ليس المهم من رشا، ولكن ما يعنيني أن مدرس المادة، الدكتور الجامعي، يحفظ أسماء طلبته عن ظهر قلب!
وإذا ما احتجت سؤلا في المادة تذهب إلى مكتبه، يستقبلك بالترحيب ويطلب منك التفضل بالجلوس ليشرح لك السؤال، وتستطيع بكل سهولة استشعار متعة العطاء التي يستمتع بها وهو يشرح لك ويزودك بمعلوماته وخبراته على مر حياته..
أعلم قطعا الدهشة المرتسمة على ملامح طلبتنا رواد الجامعات إذا ما قرؤوا تلك اللوحة الفنية التدريسية والتي تجمع في ثناياها الطالب المتفوق والنجيب والأستاذ اللبق، الطيب المعطاء..لوحة فنية نسجها خيالي الذي يحلم بذلك اليوم الذي ستكون بهِ الجامعة ذلك المكان الراقي الذي يمدنا بالقدوة الصالحة والمعلم الكريم وعامل النظافة الطيب والطالب المهذب والمجتهد..ليست لوحة جامعية وحسب بل يجب أن تحلق في سماء الوطن بين كل فرد منه.
الجامعة هي دورة الحياة اليومية للكثير منا والتي تبدأ بساعات طويلة من قرع منبه الموبايل وزوامير السيارات وصراخ الجيران، إلى أن نستيقظ بتكاسل بعدها، نرتدي ثيابنا في عجلة لنصل إلى موعد المحاضرة وغالبا ننسى أن نحمل دفترا أو حتى قلم، ملل الصبح يتسلل إلى قلوبنا..وروتيننا اليومي يلتف حول أعناقنا، إلى أن تدخل الحرم الجامعي على صوت الحارس صارخا "الهوية يا شباب" وبتثاقل واشمئزاز من ذلك الازدحام على الباب تخرج الهوية له، تدخل المحاضرة تجلس بالقرب من الأصدقاء، يدخل الدكتور عاقدا حاجبيه، مكشرا عن أنيابه صارخا "بعدما اسكر الباب ما حد بدخل" تبتلعها على مضض، ويبدأ رحلته المعهودة بسرد المعلومات على رؤوس الطلبة النائمة المفرغة..
تمر الأيام متوالية متعاقبة، دورة الحياة نفسها والروتين اليومي ذاته، تتخرج ولا يعلم عنك من درسك شيئا..إنها ملامح قليلة منك تعلق في مخيلته..وربما لو رأيته بعد شهر من تخرجك..لن يعرف أنه قد درسك يوما ما!
قد تكون هذه الصورة الحقيقة قاسية بعض الشيء ولكن الواقع قاسٍ..والغابة الجامعية لا ترحم طلبتها، ولأكون صادقة مع نفسي فالصورة الطيبة للأستاذ الجامعي قد صادفتني في مادة واحدة أو اثنتين..حيث كان مدرس المادة يحفظ أسماءنا، يناقشنا، ويبادلنا التحية والابتسامة بكل عفوية وصدق ،،، لكن وللأسف انهم قلة مميزة نادرة الوجود!
بقلم سماء ميشيل الهلسة
Sama_halaseh@yahoo.com
مواقع النشر (المفضلة)