المبادرة العربية للسلام لم تكن عارضا طارئا على رؤية العرب للسلام ,ولا هي ابتكار في الفكر السياسي العربي,
بل إن كل من يدرس القرارات الدولية الخاصة بالصراع العربي الصهيوني,ولا سيما القرارين:242 الصادر عام 1967 و 338 الصادر عام 1973 يلمس بوضوح أن هذين القرارين اللذين تبناهما مجلس الأمن الدولي يطرحان مبدأ مقايضة الأرض بالسلام وعلى أرضية هذا المبدأ كان مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 وفق مبدأ الأرض مقابل السلام .
وجاء الرد الصهيوني الحقيقي على مبادرة السلام العربية ليس على لسان وزيرة الخارجية تسيبي ليفني أو نائب رئيس الوزراء شمعون بيريز اللذين طالبا العرب بالتطبيع أولا قبل التفاوض بل الجواب الحقيقي هو الذي قاله رئيس الأركان غابي اشكنازي إن (إسرائيل) تستعد للحرب المقبلة وهي (ستكسبها حتما) وإن حرب تموز من العام الماضي لن تتكرر.
والسؤال الذي يطرحه المحللون لماذا تثير المبادرة العربية للسلام هذا القدر من التفاؤل في الوقت الذي ترد فيه (إسرائيل) بالاستعداد للحرب باعتبارها طرفا غير مهيأ للدخول في مفاوضات مع العرب والفلسطينيين من موقع الفاقد لقوة الردع أو من موقع المضطرب سياسيا بسبب حرب تموز واسقاطاتها المدمرة على الكيان الصهيوني داخليا?.
)إسرائيل) تريد السلام على طريقتها أي ابتلاع الأرض والمقدسات والابقاء على المستوطنات والاحتفاظ بشريط الغور على الحدود الأردنية بكلام آخر منذ بدأت المفاوضات في (كامب ديفيد) الأول,و (كامب ديفيد) الثاني مرورا بأوسلو وشرم الشيخ وكل (خرائط الطريق) وصولا إلى (الرؤية البوشية) لدولتين الأولى فلسطينية والثانية إسرائىلية و »إسرائيل) تصر على انشاء دولة ضمن الشروط التي تحدها سلفا أي التطبيع والهيمنة وتدجين المقاومة وتقطيع أوصال الضفة وعزلها عن غزة.
والمطلوب من الفلسطينيين تسهيل المهمة ومن العرب إقامة السلام والحياة الطبيعية مع الجارة اليهودية ومن فلسطينيي 48 أن يهجروا قراهم لإعادة توطين اليهود ضمن استراتيجية تهويد النقب والجليل,وما المطلوب من الأمريكيين ? تأمين الحماية والتفوق للكيان الصهيوني وتخريب وإعادة صياغة كل »مشروع سلمي( يعترض عليه حكام »إسرائيل) هذا »السلام) لو تحقق ليس قابلا للحياة ثلاثة عقود مضت والأمريكيون والإسرائيليون يمضغون هذه العلكة وقد تبدلت ظروف المنطقة مرات ولم يتبدل النهج الأمريكي في مقاربة نهج التسوية.
ومن المؤكد أن الجدل الذي أثير حول تعدي المبادرة لم يكن عفويا وأن بعض الإشارات على هذا الصعيد كانت مقصودة إلى حد كبير سواء تم ذلك بترتيب من قبل البعض مع الأمريكيين من أجل الدفع في اتجاه التعديل الفعلي أم تم في سياق الإيحاء بأن الرفض هو صمود مشهود الأمر الذي سيجعل من السهل الانتقال إلى محطة أخرى تختلف عن التعديل لكنها في الجوهر تخطو خطوة في اتجاه تحقيق المطالب الأمريكية من اللعبة برمتها.
ما ينبغي أن نتذكره هنا هو أن المبادرة العربية التي أقرت في قمة بيروت عام 2002 ليست إعلان حرب وإنما هي ترجمة لقرارات الشرعية الدولية الخاصة بالاحتلال الصهيوني للضفة الغربية وقطاع غزة والجولان ومزارع شبعا.
ولا شك أن ما يجري اليوم هو محض استدراج وفتحة عداد من أجل استئناف مسيرة تسوية توحي بوجود عملية سلام جارية في المنطقة من أجل تهدئة الملف الفلسطيني وبالطبع من أجل التفرغ للملف العراقي والتحضير للعدوان العسكري على إيران لحساب الأجندة الإسرائيلية.
والحال أن انسجام القيادة الإسرائيلية مع برنامج التهدئة الأمريكي المشار إليه لا ينبع فقط من الحاجة الإسرائيلية الاستراتيجية (تدمير البرنامج النووي الإيراني والنجاح في العراق كي لا يؤثر الفشل في نفوذ وهيبة الولايات المتحدة ومصالح الكيان الصهيوني تبعا لذلك) وإنما من الحاجة التكتيكية أيضا من أجل الخروج من مأزق الأوضاع الداخلية المتردية.
إن المخطط الأمريكي-الإسرائيلي لن يمر لأن الشعوب وقواها الحية التي أفشلت مشروع الغزو في العراق وأفغانستان وفي لبنان هي ذاتها ستفشل هذا المخطط بينما سيشكل العدوان الأمريكي على إيران ورطة جديدة بما سيترتب عليه من تداعيات سيئة على المصالح الأمريكية.
مواقع النشر (المفضلة)