بجماليون
1.القالب
-"اتبعيني، سَأريكِ شَيئاً.." بادرها حين استيقظتْ في الصباح...
لمْ تَعتَدْ أنْ تَراهُ مُسْتَيقِظَاً قَبْلَهَا، فَعَلِمَت أنّ مَا يَودُ أنْ يُريها شيءٌ مهمٌ فعلاً..
مشت ورائهُ حَتى وَصَلا إلى التَسْويَة...
حَاذَرَتْ وَهِي تَمُرُّ بَينَ قِطَعِ الاثاثِ القَديمَةِ، والكَرَاسِي مَكسُورَةِ الأقدام التي لا تدري لمَ يُصرُّ عَلى الاحتِفَاظِ بِها...
-" ما رأيكِ..؟" سألها..
-"ولكن... ما هو؟؟" ردّت باستغراب
-"فَلتُجرّبيه ..!"
كانَ قالباً بحجمِ إنسانٍ ....مُستنداً إلى الحَائطِ. أحسّت ببعضِ الرَهبةِ وهي تُديرُ وجهَهَا عَنهُ، ثُمَ تخْطو للخَلفِ كَي تدخُلَ فيهِ.
عانت قليلاً حتى حشرتْ جَسَدَهَا فيهِ، وشَعَرَت بالامتنانِ لأنه جَعَلَهُ وَاسِعَاً قَليلاً ..!!
أسْنَدَتْ ظَهرَها فِيهِ تَمَاماً، ثم أرادت أن تُرجِعَ رَأسَها كَي تُدخِلَهُ فيهِ أيضاً، إلا أنّهُ لمْ يَفعَلْ...!!
حَاوَلَت أنْ تَحْشُرَهُ،
أن تُـزَحْزِحَـهُ يَميناً وشمَالاً،
أن تَضْغَطَ أكثَر...
لَكنهُ لمْ يَدخُل..!!
شَعَرَتْ ببعضِ الأسَى عَـلَى تَعَبِه، وَبَعْضُ ذَنْبٍ - تَدْري أنّهُ غَيرُ مُبرّر-
-"رُبَما لو توسعَهُ قليلاً بَعدُ ، حينَهَا قَد.."
رَمَاها بِنَظرةٍ نَاريّةٍ وَهُوَ يُديرُ وَجْهَهُ مُبْتَعِداً:
-" لاَ ....لاَ أظُن!!" وغَــابَ ..لِلأبَد!
2.الغُصن
-"لولا ذَلِكَ الغُصنِ...!" قال بحزنٍ وهوَ يَنظُرُ إلى شَجَرةٍ قَريبةٍ..
نَظَرَتْ حَيثُ امتدَت عَيناهُ، فَرأتْ شَجرَةً صَغيرةً غَارِقَةً تَمَامَاً فِي ظِلّ سِنديانةٍ ضخمةٍ، سِوى غُصنٍ صَغيرِ مِن أغصَانها يمتدّ ُخَارِجَ الظِلّ، فَيغْتَسِلَ بنورِ الله..
كانَ دوماً يفاخرُ بأن حديقته مُرتبةٌ جداً ، وأنها مرسومة وفقَ ذوقِهِ بعنايةٍ فائقة ..
ابتسمت ابتسامة صغيرةً لذلك الغُصنِ الجَريء، وعَادت للكتاب...
في اليوم التالي دخلَ مِنَ البَابِ مُتَهلّلاً، وَوجهُهُ يطفحُ بالحبور،
كان مِنشارهُ الحَادُّ في يمينه ..........والغصن الذي كدّرَ أمسَهُ قابعٌ كصيدٍ مستسلمٍ يلفظُ آخرَ دفقات الروحِ في الشِمال...
-"أليسَ هذا أفضل...؟" سألها بانتصار ...
كانت لتجيب، حقاً كانت ستفغل، لولا شعورٌ مفاجئٌ داهَمَها بالاختِنَاقِ...!
3.الــ‘ريــ مُوت كونترول...!’
-"يتحكّمُ بكلّ شَيء!" قال لهُ البائعُ كي يقنعهُ بأخذِهِ...
راقتهُ الفكرةُ، فاصطحَبَهُ إلى البَيت....
شعرَ بالقوّةِ وهوَ يوجههُ نحوَ الأشياءِ...
شغّلَ به المكيفَ، والتِلفاز،
فتحَ الباب،
أغلقَ النوافِذَ،
أسدلَ الستائرَ وفَتَحهما عدّةَ مراتٍ،
ثمّ وجّههُ نَحوها......
كانَ مشظىً حين أعادَهُ إلى البَائعِ، ولكنهُ حَرِصَ أن يُفهمَهُ بقوّةٍ – بينما كان يستردّ ثمنهُ...!- مغبّةَ الادعاءاتِ الكاذِبَة ...!
مواقع النشر (المفضلة)