كثيرا ما تستوقفنا آيات القرآن الكريم وعندما نتمعن فيها ونبحث في تفسيرها نجدها تهدينا الى قواعد في تربية الأبناء فقد جاء قرآننا بكل خير لنا وتختص آيات بعينها بذلك التوجيه الرباني لنا ليعيننا على تربيتهم ولذك وودت في موضوعي هذا أن نسلط الضوء على هذا الخير العظيم في صفحات قرآننا العظيم لنتوقف معا حول بعض من كنوزه التي غفلنا عنها
ستكون البداية بإذن الله من سورة لقمان :
سورة لقمان (مكية)، نزلت بعد سورة الصافات، وهي في المصحف بعد سورة الروم، آياتها 34 آية.سورة تربية الأبناء
نفهم هدف السورة من اسمها، الذي يدل على تربية لقمان لابنه ووصيته التي جاءت بها السورة. فهي سورة تربية الأبناء، تحمل في آياتها أساليب رائعة لتربيتهم على منهج الله تعالى، تربية شاملة لكل ما يحتاجه الأبناء في دينهم ودنياهم. هذه التربية تشمل المحاور التالية:
1. توحيد الله تعالى
2. بر الوالدين
3. أهمية العبادة والإيجابية
4. فهم حقيقة الدنيا
5. الذوق والأدب
6. التخطيط للحياةسبحان الله. كل هذا موجود في السورة؟
كل هذا في 34 آية فقط؟هذه السورة لا بد أن تدرس في مدارسنا، وأن يقرأها أبناؤنا ويحفظوها لينشأوا على التوجيهات التي ربى لقمان ابنه عليها. وليس هذا فحسب،
بل إن الآباء يجب أن يتعلموها قبل الأبناء، ليتعرفوا من هذه المدرسة القرآنية، مدرسة لقمان، على أصول التربية الإسلاميةوالدنيوية.
محاور تربية لقمان
1-عدم الإشراك بالله وهذا المحور نراه واضحاً في السورة كلها، لأن أول ما يجب أن ننشئ أطفالنا عليه هو توحيد الله تعالى وعدم الشرك به. فكيف نزرع هذا المعنى في أطفالنا؟ لا بد أن نريهم ملك الله في الكون، ونخرج معهم في النزهات والرحلات، حتى يروا المناظر الطبيعية، فيتعلموا منها إتقان الله في خلقه، ويتعرفوا على عظمة الخالق سبحانه وتعالى من عظم مخلوقاته.أنظر كيف ربى لقمان ابنه: ]ي***1648;بُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِ***1649;لله إِنَّ ***1649;لشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[ (13) فبدأ بالدرس النظري في التحذير الشديد من الشرك، ثم بعد آيتين انتقل للدرس العملي: ]ي***1648;بُنَىَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى ***1649;لسَّمَ***1648;و***1648;تِ أَوْ فِى ***1649;لأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ***1649;لله إِنَّ ***1649;لله لَطِيفٌ خَبِيرٌ[ (16). ومن روعة هذه الآية أنها ضربت مثلاً يفهمه الأولاد الصغار، بينما تحمل معنى عظيماً يلائم الكبار أيضاً ويجعلهم يشعرون بقدرة الله تعالى وإحاطته وعلمه
.2. بر الوالدين، وتعريف الأبناء بفضل الآباء عليهم، حتى يعرفوا معنى الشكر، شكر الله وشكر الوالدين.]وَوَصَّيْنَا ***1649;لإِنْسَ***1648;نَ بِو***1648;لِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى***1648; وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ ***1649;شْكُرْ لِى وَلِو***1648;لِدَيْكَ إِلَىَّ ***1649;لْمَصِيرُ[ (14).وحتى عند الأمر ببر الوالدين، يأتي التذكير بعدم الشرك حتى لو كان ذلك طاعة للوالدين، ليعلمنا القرآن أن الأمرين لا ينبغي أن يتعارضا مع بعضهما.. ]وَإِن جَ***1648;هَدَاكَ عَلَى***1648; أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا[ (15) وتأتي قاعدة هامة في التوازن بين البر وبين ترك الشرك: ]وَصَ***1648;حِبْهُمَا فِى ***1649;لدُّنْيَا مَعْرُوفاً[ (15)
.3. أهمية العبادة والإيجابية في الحياة.]ي***1648;بُنَىَّ أَقِمِ ***1649;لصَّلَو***1648;ةَ وَأْمُرْ بِ***1649;لْمَعْرُوفِ وَ***1649;نْهَ عَنِ ***1649;لْمُنْكَرِ[ (17).فليست التربية أن تؤمن لأطفالك الطعام والشراب والمسكن والملبس والدواء.. هذه كلها إداريات البيت، والتربية ينبغي أن تنشئ الأطفال على عبادة الله تعالى. ولا تقتصر التربية على تعليم الأطفال أداء الصلاة، كما يعتقد الكثير من الآباء، لأننا يجب أن نغرس في قلوبهم الإيجابية في مجتمعهم وبين إخوانهم، فيأمروا بالمعروف وينهون عن المنكر ويأخذوا بأيدي الناس للهداية
.4. التعريف بحقيقة الدنياهناك آباء يربّون أبناءهم على الترف والإنفاق والاعتماد على مال آبائهم، ظناً منهم أنهم يؤمنون لأولادهم كل ما تتطلبه الدنيا. لكن المطلوب هو تعريف الأبناء بحقيقة الدنيا وسياستها المتقلبة، وأن الدنيا لن تدوم لآبائهم، وأنه لا بد للأبناء من الاعتماد على أنفسهم. فيقول لقمان في الآية (17): ]وَ***1649;صْبِرْ عَلَى***1648; مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ***1649;لأُمُورِ[. وبالأخص إذا تربى الولد على الإيجابية في الآية السابقة ]
5-وَأْمُرْ بِ***1649;لْمَعْرُوفِ وَ***1649;نْهَ عَنِ ***1649;لْمُنْكَرِ[، فإنه يحتاج كثيراً إلى الأمر بالصبر، لأن طريق الإيجابية والدعوة إلى الله مقترن بالمشاكل والصعاب
.6. الأدب والذوق]وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِى ***1649;لأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ ***1649;لله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ & وَ***1649;قْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَ***1649;غْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ ***1649;لأَصْو***1648;تِ لَصَوْتُ ***1649;لْحَمِيرِ[ (18-19)، لا بد من التعامل مع الناس بأدب وذوق حتى في أدق التفاصيل، في المشي والصوت. فلا يرفع المرء خده استعلاءً على الناس، ولا يمشي بالخيلاء بين الناس بل يقتصد في ذلك ]وَ***1649;قْصِدْ فِى مَشْيِكَ[، ولا يرفع صوته أكثر مما يحتاج إليه السامع
.7. تحديد الهدف في الحياة والتخطيط للمستقبل ومن روعة السورة أنها شملت هذا المعنى أيضاً في التربية. وذلك ما نراه في قوله تعالى: ]وَ***1649;قْصِدْ فِى مَشْيِكَ[ فهذه الآية قد تكون إتماماً لسلسلة الذوقيات والأخلاق التي تحدثت عنها السورة، فيكون المعنى أن تمشي على الأرض بوقار ودون أي عجب أو خيلاء. وقد تعني "اقصد في مشيك": أن تضع قصداً وهدفاً وراء كل خطوة تمشيها، فلا تعيش في الحياة زائداً عليها دون أن يكون لك أي هدف فيها...
العاطفة بريد التربية ونلاحظ في السورة أن هذا الكم من التوجيهات قد غلّفه الأب بالحنان والعاطفة الشديدين. وكأني عندما أقرأ هذه الآيات، أشعر بلقمان، ذلك الرجل الهادئ، الذي يعظ ابنه برقة ويقول له قبل كل موعظة: ]ي***1648;بُنَىَّ.. ي***1648;بُنَىَّ[، فالسورة تقول للآباء: صاحب أولادك واكسب مودتهم قبل أن تعظهم. كلّمهم أخي المسلم عن نفسك وتجاربك وأخطائك في الحياة، واستعمل الصداقة معهم لتنصحهم قبل استعمال الأمر والنهي بشدة... هذه السورة هي فعلاً من أروع المناهج التربوية في القرآن.علم الله وقدرته ولأن توحيد الله هو محور أساسي في تربية الأبناء، نرى أن السورة ركّزت على التوحيد من خلال العديد من الآيات التي يجب أن نلفت نظر أبنائنا إليها أثناء تربيتنا لهم:ففي أول 11 آية، نرى تركيزاً على هذا المعنى، خاصة في قوله تعالى: ]خَلَقَ ***1649;لسَّمَ***1648;و***1648;تِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى***1648; فِى ***1649;لأَرْضِ رَوَاسِىَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ...[ (10) هذه السورة تعطيك أيتها الأم مادة مهمة لزرع توحيد الله في قلوب أبنائك... حتى تصل بنا إلى قوله تعالى ]هَ***1648;ذَا خَلْقُ ***1649;لله فَأَرُونِى مَاذَا خَلَقَ ***1649;لَّذِينَ مِن دُونِهِ[ (11).وتأتي آيات كثيرة بنفس المعنى: ]أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ***1649;لله سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى ***1649;لسَّمَ***1648;و***1648;تِ وَمَا فِى ***1649;لأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَ***1648;هِرَةً وَبَاطِنَةً..[ (20) إلى أن نصل إلى مثال رائع عن علم الله تعالى: ]وَلَوْ أَنَّمَا فِى ***1649;لأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَ***1649;لْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَ***1648;تُ ***1649;لله إِنَّ ***1649;لله عَزِيزٌ حَكِيمٌ[ (27). هذه الآية تشكل مثالاً رائعاً في استخدام عناصر الطبيعة التي يراها الناس أمام أعينهم، كباراً وصغاراً، وتربيتهم على علم الله وإحاطته بالخلائق جميعاً..عدم الإتباع الأعمىوتركّز السورة على خطورة تربية الأبناء على الإتباع الأعمى دون فهم لمعتقدات الآباء، فهي من ناحية، بيّنت أن الحنان والعاطفة لا بد أن يسودا علاقة الآباء بأبنائهم حتى يتربى الابن عن قناعة، وبالمقابل تنكر على الأبناء الذين يقلدون آباءهم في عقائدهم: ]وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ***1649;تَّبِعُواْ مَا أَنزَلَ ***1649;لله قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا[ (21).وتبين الآيات بوضوح أن كلاً من الأب والابن مسؤول عن عمله يوم القيامة، فلن ينفع الوالد ولده أبداً: ]ي***1648;أَيُّهَا ***1649;لنَّاسُ ***1649;تَّقُواْ رَبَّكُمْ وَ***1649;خْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً[ (33) فلا بد من تربيتهم على الإيمان الصحيح والعقيدة السليمة والخلق الحسن...ختام السورة: علم الله تعالىوكما بدأت السورة بتوحيد الله، فإنها ختمت بالتركيز على علم الله وقدرته الله، وعجز الخلق عن الإحاطة بشيء من غيبه: ]إِنَّ ***1649;لله عِندَهُ عِلْمُ ***1649;لسَّاعَةِ وَيُنَزّلُ ***1649;لْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ***1649;لأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ***1649;لله عَلَيمٌ خَبِيرٌ[ (34). وهي خمس غيبيات لا يعلمها إلا الله: موعد القيامة، ووقت نزول المطر، ونوع الجنين قبل التكوين، وأحداث المستقبل، وأين نهاية الأجل ومكان الدفن... يا أخواتي ، ربين أبناءكن على الإيمان بالله وتوحيده بهذه الطريقة...ولقد آتينا لقمان الحكمةومن لطائف السورة، أنها ركزت على الحكمة بشكل أساسي، فقد بدأت بقوله تعالى ]الم & تِلْكَ ءاَيَ***1648;تُ ***1649;لْكِتَ***1648;بِ ***1649;لْحَكِيمِ[ (1).وحتى عندما أنكرت على من يصد عن سبيل الله، قالت الآيات: ]وَمِنَ ***1649;لنَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ ***1649;لْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ***1649;لله بِغَيْرِ عِلْمٍ[ (6). ولهو الحديث هو عكس الحكمة.وليس هذا فحسب، بل أن أول آية ذكرت لقمان جاء فيها قوله تعالى: ]وَلَقَدْ ءاتَيْنَا لُقْمَانَ ***1649;لْحِكْمَةَ أَنِ ***1649;شْكُرْ لله[ (12)، وكأن وصايا لقمان لابنه التي جاءت في السورة هي عصارة حكمته وتجاربه في الحياة، ينقلها لمن يأتي بعده...فهل ستقتدين بلقمان وحكمته في تربيته لابنه؟ وهل سجلتي النقاط والمحاور التي ستربين أبناءك عليها؟ نسأل الله تعالى أن يعيننا على تربية أبنائنا وفقاً لمنهجه وقرآنه وشريعته.
]
مواقع النشر (المفضلة)