الإنسان و الحيوان ...
نعمت الحموي - مفكرون
أصبحت عندي قناعة بأن ما نشاهده في نشرات الأخبار اليومية يفوق بوحشيته ما نشاهده في برنامج عالم الحيوان بمئات المرات...
و من خلال متابعتي لتصرفات بعض بني البشر اكتشفت بأن الإنسان وأمام كل وحوش الغاب، وأمام كل الحيوانات المفترسة والطيور الجارحة بات يتربع ملكاً على عرش الوحشية دون منازع وقد حصل على لقب أكثر الكائنات وحشية بكل جدارة...
فالإنسان لا يسير عارياً بل يرتدي الملابس على عكس الحيوان الذي يعيش عارياً إلا من جلده... ولكن وفي نفس الوقت نجد بأن بعض بني البشر قد باتوا عراة... عراةً من أخلاقهم، مبادئهم ومن أصالتهم... ونزعوا عنهم حتى جلودهم...
الإنسان يأكل طعامه بالشوكة والسكين ويغسل فمه ويديه بعد الانتهاء من طعامه على عكس الحيوان الذي ينهش لحم فريسته بأظافره وأسنانه تاركاً آثار دمائها على جسده... ولكن بعض بني البشر لا يكترثون إن هم نهشوا لحوم أخوانهم وذلك بأكلهم لحقوق بعضهم من جهة وبالغيبة والنميمة من جهة أخرى حيث يلوكون قصص وأخبار بعضهم بعضاً...
لقد أوجد الإنسان للجنس عشرات التسميات، منها التسميات الرومانسية: كالحب والتعبير عن المشاعر وما إلى ذلك، ومنها التسميات العلمية: كالتناسل واللقاء الجنسي وغيرها ورغم ذلك فإن بعض بني البشر لا يتورعون عن الانجرار وراء غرائزهم الجنسية وبأقذر الطرق وأكثرها حيوانية ووحشية وشذوذاً...
منح الله الإنسان نعمة العقل، ليفكر وليحسب تصرفاته في حين حرم الحيوان من هذه النعمة وترك له غريزته فقط ولكن بعض بني البشر نسيوا عقولهم وتركوها وراحوا يركضون وراء غرائزهم وأطماعهم دون أي تفكير...
الإنسان يُحاط بالرعاية منذ طفولته ويتم تلقينه المبادئ المختلفة (الدينية، الاجتماعية، الأخلاقية، أصول اللياقة والإتيكيت وغيرها) كي يتعلم النظام، مهماته، دوره في الحياة والسلوك الصحيح في حين نرى بعض بني البشر يتصرفون دون أي رادع ودون أن تحكمه أي ضوابط من أي نوع كما لو أنهم وحدهم في هذا الكون في حين نلاحظ دقة النظام وأسلوب الحياة المنظم والدقيق في عالم الحيوان.. في عالم كل من يعيش فيه يعرف دوره ومهامه....
الحيوان لا ينسى من أحسن إليه وأطعمه وآواه، أما في عالم البشر فنكران الجميل، رد المعروف بالإساءة وعض اليد التي تمتد للمساعدة باتت أموراً عاديةً....
في عالم الحيوان تسود روح التعاون بين أفراد القطيع الواحد حيث يدافع أفراد القطيع عن بعضهم بعضاً في حال الخطر ويتعاونون فيما بينهم في الأحوال العادية، أما في عالم البشر فالإنسان يقتل أخاه الإنسان بمناسبة ودون مناسبة ولأتفه الأسباب...
و فوق كل هذا فالإنسان هو سبب ثقب الأوزون، التصحر، انقراض العديد من أنواع النباتات والحيوانات، اختلال التوازن البيئي، تلويث المياه، واستنزاف الموارد الطبيعية...
الإنسان هو سبب كل الحروب المدمرة، هو من اخترع القنابل النووية وإشعاعاتها القاتلة، هو سمم الهواء بالغازات السامة، هو من دفن في الأراضي الطيبة النفايات النووية، وهو من حرم أبسط الكائنات من مساكنها الطبيعية وفوق كل هذا يعمل على تشريد بني جنسه يومياً من أراضيهم...
الإنسان كائن شرير... يثير الحروب، يقتل الأبرياء، يدمر البيئة ويقف مدعياً ما يسمى بالإنسانية وبأن كل ما يفعله هو تحت شعار الحضارة والتقدم والرقي....
بت أؤمن تماماً بأنه لا فرق بين الإنسانية والحيوانية إلا من خلال الورق... نعم فنحن بشر على الأوراق التي تعترف بنا فقط....
يُعلن وجود الإنسان كبشر: بشهادة الميلاد...
و يُعترف عليه: بالهوية الشخصية...
ثقافته وعلمه: شهادات مدرسية وجامعية...
طموحاته: عقود مختلفة (عقود توظيف، استملاك آجار إلخ....)...
أدواته: أوراق نقدية....
صحته: وصفات، صور وتقارير طبية...
حالته الاجتماعية: عقود زواج وأوراق طلاق...
عائلته: دفتر عائلة...
و في نهاية مشواره يستلم ورثته آخر أوراقه: شهادة الوفاة وإذن الدفن....
نعم نحن بشر على الورق ومن خلال الورق فقط... لقد تحولت الإنسانية إلى مزحة قديمة حتى أنها لم تعد تضحكنا، لقد تحجرت مشاعرنا فلم يعد هناك ما يبكينا ويؤثر فينا...
لو أن للحيوانات عقل فأنها وأمام المجازر البشرية والتي يرتكبها البشر للأسف كانت ستسخر من ما نسميه الإنسانية ولاعترضت على استخدامنا كلمة "حيوان" للتعبير عن الصفات السلبية (من غباء، وحقارة، ووحشية وغيرها) ولطالبتنا في حال رغبنا بشتم بعضنا بعضاً الاستعاضة عن كلمة "حيوان وما شابهها" وذلك باستعمال كلمة "إنسان وما شابهها"...
و عندها سنستعمل العبارات التالية:
"شو إنسان إنت مو عرفان مع مين عم تحكي؟؟؟"
"و لك إنسان ليش مو حافظ درسك اليوم؟؟"
"حاجتك إنسانية بقى"
"لا تتأنسن علينا"
"متأنسن ما عم يرضى يوقع على المعاملة"
"يا ابن الإنسان"....
مواقع النشر (المفضلة)