فلسطين والأردن (المهاجرون والأنصار الجدد)
♥ بقلم أحمد ابراهيم الحاج ♥
4/1/1433 هـ
29/11/2011م
♥♥♥♥♥♥♥♥♥♥♥♥♥♥
♥ فــــــــلــــــســـــ ♥ الأردن ♥ ـــطـــــيـن ♥
♥♥♥♥♥♥♥♥♥♥♥♥♥♥
*** *** ***
في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة التي نعيش عبقها اليوم، وفي ظل الصراع المحتدم بين الشعبين الفلسطيني والأردني من جهة وعدوهم المشترك المتربص بهم من جهة اخرى ليحل مشاكله التكوينية والخلقية على حسابهم، ما أحوج الفلسطينيون والأردنيون في أماكن تواجدهم اينما كانوا أن يستحضروا هذه الذكرى العطرة، وأن يتعطروا بها، ويستنشقوا شذاها بعمق ليستلهموا منها معاني الوحدة والأخوة التي كانت دوماً عنواناً للعلاقة الفلسطينية الأردنية عبر التاريخ. كما كانت العلاقة بين المهاجرين من مكة المكرمة والأنصار المقيمين بالمدينة المنورة وما دون ذلك كان استثناءً وشذوذاً عن القاعدة وبمثابة الزوبعة في الفنجان، ولكي يكونوا سداً منيعاً تتحطم عليه مؤامرات العدو المشترك للشعبين والذي يتحين الفرص لزرع بذور الفتنة من اجل تمرير مخططاته الخبيثة في ظل هذه الحكومة العنصرية المتطرفة. والتي تستهدف استقرارالأردن تمهيداً لقضم فلسطين والإجهاز على ما تبقى منها وطرد ساكنيه الى الأردن لتحمل المشكلة.
وما اشبه هجرة الفلسطينيين من ديارهم الى الشتات ومن ضمنه اللجوء الى الأردن، بهجرة المسلمين من مكة الى المدينة، التي كانت هجرة من العذاب والتنكيل الذي حل بهم من الكافرين كما كانت هجرة الفلسطينيين من الصهاينة المغتصبين الحاقدين الذين اقاموا المذابح لشعب اعزل لا يفرقون بين امرأة وشيخ وطفل. وقد ترك المسلمون كل املاكهم وأموالهم في مكة مكرهين تماماً كما ترك الفلسطينيون ديارهم واملاكهم واموالهم مكرهين. وهاموا على وجوههم لا يملكون قوت يومهم.
*** *** ***
*** *** ***
وما أحوجنا اليوم الى الحفاظ على متانة هذه العلاقة الفلسطينية الأردنية وتدبر معاني القرآن وتتبع سيرة رسول الله في هذا المقام وتلك المناسبة. حيث قال تعالى:
" وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ".
وشاعت وبقيت فيما بين المهاجرين والأنصار المودة والرحمة والإخاء والتعاون فيما بينهم حيث كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤاخي بين المهاجرين والأنصار في نصرة للمظلومين الذين أخرجوا صفر اليدين من ديارهم ظلماً وعدواناً. تماماً كما حصل للفلسطينيين المهجرين وما لقوه من اخاء وتعاون من اشقائهم وأرحامهم الأردنيين. وعزز ذلك الله في كتابه العزيز حينما اشار الى هجرة المؤمنين من مكة وما لاقوه من الأنصار في المدينة حيث قال تعالى في حق الأنصار:
" والذين تبوؤا الدار من قبلهم يحبون من هاجراليهم ولا تجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون".
*** *** ***
*** *** ***
لكن صفاء الجو الذي ساد بين المهاجرين والأنصار، لم يكن يخلو من كدر أو همّ أو حزن، سببه اليهود المقيمون في المدينة المنورة والذين حسدوا هذا التآخي والتضامن بينهم، فأضمروا الشر والخديعة، وحاولوا بعث الفتنة من جديد بين الأوس والخزرج لولا أن وعى اليهم رسول الله وتداركهم بقوله لهم:
" الله الله يا معشر المسلمين اتقوا الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام؟" وكان بعض المسلمين قد اسلموا نفاقاً ليبعثوا فساداً في جسد المسلمين، وساعد هؤلاء اليهود جماعة من عرب المدينة الذين اظهروا اسلامهم وأضمروا كفرهم وعداءهم للإسلام ورسوله، وعلى رأس هؤلاء "عبدالله بين ابي الخزرجي" لكن الله كشف زيف ايمانهم وعراهم على حقيقتهم حينما أنزل على رسوله الوحي ليخبره بذلك : "إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "وما أشبه الأمس البعيد باليوم القريب، فهم اليهود لم يتغيروا فاحذروهم واحذروا من هم منكم معهم.
استناداً الى الواقع الذي طرأ على الوطن العربي بعد اتفاقية سايكس بيكو، وتسليماً مؤقتاً بهذا الواقع المرفوض شعبياً من الشعبين جملة وتفصيلاً وحاضراً وماضياً حتى تتغير موازين القوة في العالم ويقضي الله أمراً كان مفعولا، ذلك الواقع الذي أدى الى تكاثر الإنسان العربي على الجغرافية العربية تكاثراً سرطانياً وأدى الى تشطيره وتقسيمه وتشرذمه وتسميته بأسماء هم سموها، فإن هذا الواقع وما تولد عنه من نتائج لن يغير في متانة وتلاحم العلاقة الفلسطينية الأردنية المميزة والتي كانت اواصرها ضاحدة لهذه النتائج فعلاً وتطبيقاً عملياً وواقعاً ظاهراً للعيان. فتلك العلاقة تمثل الرقم الثابت في الصراع، ولا يمكن أن يضيرها النفاثات في العقد ولا حسد الحاسدين وسم الحاقدين.
*** *** ***
*** *** ***
كان الأردن وفلسطين على مر التاريخ بمثابة الجسد الواحد الذي انشطر الى نصفين بفعل المؤامرة الدولية الكبرى، وتحول النصفين المنشطرين الى جسدين يمشيان على الأرض بهويتين مختلفتين ولكنهما ليستا متناقضتين، هوية اردنية وهوية فلسطينية، تجريان على الأرض في رافدين فرقتهما المؤامرات. وتعودا وتلتقيان وتمتزجان ماءً ودماءً وتصبان في نهر واحد، فانقسم القلب الى قلبين، وكل قلب يحمل الصفات الوراثية للشعبين، وما ينطبق على القلب ينطبق على باقي الأعضاء الأخرى. فالجسد الأردني هو في واقع الحال جسد يحمل الصفات الوراثية للشعبين، والجسد الفلسطيني يحمل الصفات الوراثية للشعبين. وبالنتيجة فهما شعب واحد شاءت له الأقدارأن ينقسم الى جسدين بعقل واحد وقلب واحد وهدف واحد وعدو مشترك واحد مهما تعددت الأعداء ومهما كانت الأطماع. ولا بد في النهاية أن يعودا للإلتصاق والإندماج في جسد واحد.
ولو قارنا الوحدة الأردنية الفلسطينية بأي وحدة عربية كيانية، لوجدنا أن لها خصوصية تميزها عن كل اشكال الإتحادات العربية لأنها وحدة اندماجية في كل شيء عززتها وحدة الدم. لماذا؟
- وحدة الجغرافية والتاريخ والتراث (مثلث الوطن الذهبي) : الأردن وفلسطين وبحكم تلاصقهما الجغرافي يمثلان وحدة جغرافية واحدة متكاملة بالتضاريس والسطح والمناخ، لذلك يمكن أن يكونا كياناً سياسياً واحداً قوياً وصلباً ومتماسكاً، بمقومات كيانية اقتصادية واجتماعية وثقافية وتراثية وتاريخية متماثلة، على النقيض من الكيان العنصري المجاور الذي لا يملك أي ضلع من هذه الأضلاع الثلاثة الا ضلع الجغرافية وحصل عليه بالسطو والقوة الظالمة مدعومة بقوى الظلم المسيطرة في العالم. فهنالك تداخل بين الأعراق والأصول بين الفلسطينيين والأردنيين، وتماثل بين الديانات السائدة، فالعائلات هي نفسها شرقاً وغرباً ومن اصول واحدة. وهنالك توأمة بين المدن التاريخية في كلا البلدين (الخليل والكرك)، و (نابلس والسلط) ، و (بيسان وإربد)، و (أريحا والشونة). والأردن وفلسطين يتوفر فيهماً معاً أضلاع المثلث الذهبي لأي وطن أو كيان (الجغرافية ، التاريخ، التراث). وفي النهاية لا يصح الا الصحيح وسوف يتحقق ذلك بإذن الله ولو بعد حين. فقد نقل الفلسطينيون المهجرون تراثهم وعاداتهم وتقاليدهم معهم الى الأردن، وامتزجت عادات وتقاليد الشعبين مع بعضها ، وفي ظل التطور والحداثة أصبحت العادات والتقاليد والتراث متماهية لا فرق بينها ممثلة تراثاً واحداً الا ما ندر من الفروق.
- الهم الوطني المشترك: الفلسطيني والأردني يوحدهما الهم الوطني المشترك، لأن البلدين يتعرضان لنفس المخاطر الوطنية من عدو مشترك. قديماً كانا وحدة جغرافية واحدة فكان الهم هو الهم، وحديثاً واستناداً الى الواقع الطاريء فإن قدر الأردن أن يكون لصيقاً بفلسطين، وهذا قدر يجب أن يُحمَد الله عليه من كلا الشعبين، حيث اختار الله من الشعبين وكرمهم بكواكب وقوافل من الشهداء اختلطت دماؤهم وامتزجت على ثرى الوطنين المقدسين والمباركين. ونستحضر هنا من التاريخ القريب مثالين فقط من أمثلة عديدة، هما معركة السموع سنة 1966م والتي روت فيها الدماء الأردنية ممزوجة مع الدماء الفلسطينية الثرى الفلسطيني، ومعركة الكرامة عام 1968م التي امتزجت فيها دماء الشعبين وروت الثرى الأردني. والشعبين في حالة رباط دائمة. وهذا دلالة على أهمية هذه البقعة من الأرض المباركة المقدسة بالنسبة للعالم أجمع والتي يرابطون ويقاومون من أجلها يصلابة الجبارين، فهي مهبط الرسالات السماوية، وفيها معالم كل الحضارات. وهي محط أنظار البشر من كل نواحي الأرض وفجاجها من بدء الخليقة الى هذه الأيام وستظل كذلك بإذن الله ما دام هنالك وجود لهذين الشعبين. ومصداقاً لتكريم القوم من الله بشهدائه قوله تعالى مخاطباً نبيه الكريم بعد معركة أحد والتي لم ينتصر عسكرياً فيها جيش المؤمنين، وظل محتفظاً بإيمانه : " وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ، إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ".
- اختلاط الدم بالدم: لم يعد تزواج الشعبين من بعضهما البعض مشكلة عرقية عائدة لاختلاف الهوية، او عائدة لمشكلة قبلية، ففي هذه الأيام كثيراً جداً ما تجد الأم فلسطينية والأب اردني، والأم اردنية والأب فلسطيني، والأبناء يفتخرون بتمازج هوياتهم واختلاطها ما بين الهويتين. كما يجب الا يغيب عن البال هنا اختلاط دم الشهيد الفلسطيني مع دم الشهيد الأردني وبالعكس وعلى كلا الترابين.
- المعاملة الممتازة والمميزة التي حظي بها الفلسطينيون المهجرون من وطنهم والذين استقروا بالأردن. فلو قارنا معاملتهم مع المهجرين في الأقطار العربية الأخرى لكان الفرق شاسعاً جداً والفجوة والهوة كبيرة جداً. وكانت معاملة الشعب الأردني للشعب الفلسطيني المهجر من أرضه شبيهة بمعاملة الأنصار للمهاجرين. وتقاسم الأردنيون معهم خيرات البلد وموارده. وواسوهم في مصابهم واحتضنوهم احتضان الأخ الشقيق لشقيقه. وبالمقابل أخلص الفلسطينيون في بناء الأردن وكأنه فلسطين.
*** *** ***
لا نقول ذلك نفاقاً لأننا اردنيون من أصل فلسطيني نعيش بأمن وأمان بين أشقائنا الأردنيين، ونحمل شرف الجنسية الأردنية نتجول بها اينما شئنا، ولكنه تقريراً لحقيقة ماثلة وواقع لا يخفى على أحد. فقد عملنا من أجل الأردن وأخلصنا له وكأنه فلسطين. وسندافع عن الأردن ووحدة الأردن وكأنه فلسطين وساهمنا في بنائه وتقدمه وتطوره لشعورنا بالإنتماء اليه. نعم نحن اردنيو الولاء كما نحو فلسطينيو الجذور والولاء. وما زلنا نعمل ونقاوم ونحلم بالعودة لأملاكنا وحقوقنا في فلسطين يداً بيد مع اشقائنا الأردنيين الذين لم يتوانوا يوماً عن نصرتنا ودعمنا للوصول الى حقوقنا في أراضي اجدادنا. فعمان في قلوبنا كما هي القدس دوماً في قلوبنا. ونحلم بعمان أن تستمر صامدة شامخة بأهلها كما نحلم بالقدس عائدة شامخة لأهلها.
*** *** ***
وفي لجة الأحداث المحيطة بنا كأردنيين وفلسطينيين اينما وجدنا علينا أن نتوخى الحذر كل الحذر من الإنزلاق في ظواهر ومظاهر ما يسمى بالربيع العربي السيئة في بعض الأقطار العربية، وهي ظواهر وبواطن الفتن والدسائس والإنتهازية التي يحيكها الكارهون من الأعداء لهذه العلاقة المميزة بين الشعبين. تلك العلاقة التي تشكل السد المنيع والحائط الصلب للدفاع عن وجودنا وصمودنا أمام عدو يتربص بنا ولا تأخذه فينا رحمة أو شفقة أو لومة لائم، إن انزلقنا الى ما لا تحمد عقباه لا سمح الله. إن هذه المرحلة تتطلب منا نحن الشعبين الوعي التام بما يدور حولنا ، وأن نتنبه لخطورة هذه المرحلة ومخاطرها التي تلفنا من كل اتجاه. وعلينا أن نتذكر تصنيف الله للناس في سورة البقرة ونحذر من الأعداء الخارجيين الظاهرين ونحذر اكثر من الأعداء الداخليين الباطنيين حيث لا يخلو منهم أي شعب والذين وصفهم الله بالمنافقين، حيث يتلونون بطريقة تشعرك بحسن نواياهم، بينما هم يضمرون لك النية السيئة وينتهزون الفرصة للإصطياد بالمياه العكرة لكي ينقلبوا عليك. لذلك فإن الله يعلمهم وربما أنت لا تعلمهم فاحذرهم، وسماهم الله "المنافقين".
*** *** ***
ندعو الله أن يحمي الأردنيين والأردن، هذا الشريط الآمن المطمئن في منطقة تغلي على نار حامية، ووقاه من كل وقيعة يريدها الحاقدون، وحمى الله الفلسطينيون ووحد كلمتهم على قلب رجل واحد وأعادهم الى ديارهم منتصرين. وأدام الله أواصر الأخوة والمودة والرحمة بين الشعبين، وثقتنا كبيرة في وعي الشعبين وفي قيادتهما وقدرتهما على تجنب الفتن والإنزلاقات الخطرة التي انزلق اليها بعض اشقائنا العرب.
مواقع النشر (المفضلة)