كانت ليلتي تذوب كـ الرذاذ تفوح بها رائحة التراب المبلل بالندى ويستأذن الفجر للرحيل
غيوم تُحبس داخلي ولوحات همومي معلقة على جدران ذكرياتي و أشلاء الأمل تتلاشى على هوامشها
تسافر أفكاري بين لوحاتي و تنطفئ عيني عند لوحة أسميتها " شقاء السعادة "
يسطع قلبي فما عاد النبض يداويني
فرؤيتها تزيدني جرعة ألم .. لأسبح إلى أرجاء حجرتي و أشعل بؤرة من الأمل في ثنايا مكان .. يملأه السراب يغمره الدفء ..
طيف صندوق يرتبط مع لوحة بذكريات تأخذني ببريقها ولمعانها
خطوت بخطوات متثاقلة .. وكأنني سأواجه قدري
أمسكت بصندوق صغير تكاد أصابعي تطوّقه ويختفي بين يدي .. لكنه كان كبير جداً يحمل بين جدرانه آهات الزمن وقنديل الأمل
أمسكت بصندوقي بخوف لا أعرف منبته .. لكن شيء بداخلي نهاني عن نفث غبار تراكم فوقه .. ليس لقدمه .. بل لكثرة ما يحمل من ألم بداخله ..
نفثت الغبار بعيون دامعة وقلب يكاد يتمرد على جدران صدري و أجهل سبب اضطرابه ..
بودي لو أزيلها و أُعيد ترتيب الدروب أمام خطواتي ..
بودي لو أصمد بشموخ .. وأفصح عما بداخلي من ثقة بأرواح تنتشي الفخر وتتعالى بالعزة ..
بودي لو ترفرف ذاتي في أفقك البعيد و انتشلها من الأحلام .. لأمكث في الحقيقة و أتوّحد مع أوجاع الانتظار ..
بودي لو أتعلم أبجديات الحرية .. و أتنفس من حروفي العطاء ..و أنسج من حروفه الرثاء .. و أعاند جنونه و عنفوانه الصاخب ..
بودي لو أروض قلوبهم على النقاء .. كزهرة قطن بيضاء .. أبدد غلاف المراوغة عن قلوبهم ..
بودي لو أزيل وشم وجودهم من حياتي .. فقد نسيت أن الوشم باقي حتى الفناء ..
دَفنتُ أُمنياتي في الأعماق .. لـ أطفو فوق سطح واقعي .. أواجه أمواج الحياة .. و أروي ضمأ شوقي إليك ...و أرتمي في أحضان ذكرياتي .. استجمعتُ جذور قوتي ..
فـ فتحت ما بداخل صندوقي .. لأجد وريقاتنا و كلمات خطت بقلمه
بدايتنا الأولى زرع أبجديات الحياة في نفوسنا
تأملت الورقة الأولى .. كانت لأكبرنا سننا أو أكثرنا شبها له
بوقاره بعزيمته بهيبته حتى بصدى صوته الجهوري
كدت أن أفقد وعيّ أفكاري
وضعتها جانباً لألتقط القليل من أنفاسي .. فسقطت دمعاتي في داخل صندوق فكانت لنبراس عطائي .. لمن احتضن كل حنانه واكتنز الأمل في ذاته .. فقد تعلم منه الصبر والحكمة وحتى حنطة بشرته وقامة هيبته
اختلطت أنفاسي بأنين عبراتي للتصارع روحي بين شهيق وزفير
فألقي بها فوق الورقة الأولى .. علها تخمد الثورة ولكن الورقة الثالثة أثارت بركان آهاتي ..لتروي جراح قلبي ..
بورقة كانت بخطه بجماله حروفه و بدفء روحه وقبلته على جبين الذكريات
تراقصت أحزاني مع الورقة الثالثة .. فقد مسح الابتسامة عن محيى الزمن .. ورفع للأحزان رايته البيضاء فقد كان الأقرب إلى ابتسامته .. تمرد طفولته .. عفويته ..كسر كل قيود محرماته ليعلن عن قلبه الصغير المفعم بجنون الحب ..
جمعت ورقاتي الثلاث بتردد .. بدأت يدي تمتد مجدداً إلى الصندوق .. أناملي ترتجف خوفاً .. فقد حان دور وثيقتي فهذه بداية أبجديتي و نهاية عفويتي ..
تأملتها وتذكرت كل حرف كل همسه كل نظره كانت عندما كَتبتُ أول حرف من حياتي .. كنتُ أرى العالم بعيونه بنظرته ..كانت قنديل لم أكن أعلم بأنها منبع لشلال دموعي .. الاستنفار و الهروع إلى ساحة أيامي..
جمعت أوراقي و أطلقت العنان لآهاتي .. انكساري .. انهيار قوتي
ليكسر هذه اللحظات صدمة أكبر من كل تخيلاتي ..
لم أكن أطمح من جنون أيامي .. أبعد من سلامة الأحبة عند اللقاء ..
القدر اغتال أحلامنا و الأماني ..
دموع الغصون
21 تموز 2011
مواقع النشر (المفضلة)