الشخصية الوطنية الأردنية
1. يشكّل موضوع الشخصية الوطنية الأردنية مرتكزاً هاماً في الحياة الأردنية على مختلف الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والأدبية وغيرها، لذلك تبدو أهمية دراسة الشخصية الوطنية لتقديم الأردن بصورته الزاهية والمشرقة .
2. إن الشخصية الوطنية لأي شعب هي نتاج تفاعل عوامل ثقافية واجتماعية ودينية وتاريخية واقتصادية وسياسية وجغرافية ضمن الجماعة الوطنية وطبيعة علاقتها مع الجماعات الأخرى التي ترتبط بها بعلاقات العرق أو الدين أو الجوار أو اللغة أو الأهداف المشتركة .
3. لقد تشكّلت الشخصية الوطنية الأردنية في ضوء تفاعل العوامل الداخلية والخارجية ، وضمن مراحل تاريخية وثقافية ، بحيث أصبحت هذه الشخصية بعامة نموذجاً منسجماً من الاعتزاز بالوطن والولاء للقيادة والتعلق الفطري بالأمة العربية وبالدين الإسلامي الحنيف ، والإيمان بالشعب الأردني كجزءٍ من الأمة العربية .
4. تُبرز الشخصية الوطنية الثقافة الأردنية بشكل واضح ، لكن الشخصية الوطنية السياسية تجاذبتها تيارات واتجاهات متعددة ، وكان ذلك انعكاساً لعوامل ومؤثرات وتفاعلات سادت على الساحة العربية بعامة والأردنية بخاصة .
5. بقي تجاذب التيارات والاتجاهات الفكرية والسياسية على الساحة الأردنية إلى أن جاء قرار الميثاق الوطني الأردني الذي وضع النقاط على الحــروف ، و بلور مفاهيم واضحة لصياغة الشخصية الوطنية السياسية الأردنية .
6. لقد كان للأردن دور تاريخي فاعل وريادي في العالم العربي فرضته المواقف الهاشمية والأحداث التاريخية والظروف التي مرَّت بها المنطقة، وهو دور يستند في جذوره إلى الثورة العربية الكبرى ومبادئها السامية ، وشكّلت القيادة الهاشمية في الأردن وريثاً لرسالة هذه الثورة التي هدفت إلى تحقيق الوحدة والحرية ، والحياة الكريمة لأمة العرب .
7. العوامل التي تساعد على تماسك الشخصية الوطنية
أ. الحرص على الوحدة الوطنية وتعزيزها.
ب. إشاعة جو من الأمن الوطني والاستقرار .
ج. الحفاظ على الحريات الأساسية والديمقراطية .
د. تعزيز أواصر الثقة والتفاهم بين القيادة والشعب .
هـ. الاحتكام إلى مبدأ الأهلية والكفاءة والجدارة ، والحرص على العدالة والمساواة بين المواطنين .
و. ترسيخ مفهوم الانتماء الوطني والقومي انسجاماً مع رسالة الأردن التاريخية المستندة إلى مبادئ الثورة العربية الكبرى .
8.العوامل المؤثرة في مستقبل الشخصية الوطنية الأردنية
أ. علاقة الأردن وقيادته الهاشمية بالثورة العربية الكبرى ، وتمسك الشعب الأردني وقيادته بمبادئ هذه الثورة التي هدفت إلى تحقيق الوحدة والحرية والحياة الفضلى الكريمة للأمة العربية.
ب. طبيعة الموقع الجغرافي الأردني الذي يمثل القلب لمنطقة آسيا العربية.
ج. احتضان الأردن عبر تاريخه الطويل لكافة أحرار العرب ولموجات الهجرة المتعاقبة ، وتوفير الملجأ الآمن والحياة الكريمة لهم .
د. العلاقة الخاصة والمميزة التي تشكلت ما بين الأردنيين والفلسطينيين في مجابهة التحديات .
هـ. وجود الأردن على أطول خط للمواجهة مع إسرائيل عبر عدة عقود قبل توقيع اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية.
و. التطورات السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط وبخاصة في فلسطين وفي العراق.
ز. التوجه نحو الديمقراطية في الأردن وبخاصة بعد عام 1989 وإعادة الحياة البرلمانية .
9. متطلبات تعزيز الشخصية الوطنية الأردنية
أ. فهم وإدراك أهميه العامل الجغرافي للأردن وارتباطه بالوحدات الجغرافية المحيطة، بصفته لبنة صلبة في بناء الأمة العربية .
ب. ضرورة السعي لتمتين أواصر التعاون الاقتصادي والاجتماعي والبشري مع هذه الوحدات الجغرافية.
جـ. إدراك أهميه العامل الاقتصادي والسعي لجلب الاستثمارات داخل الأردن، وتشجيع الاستثمارات من المنطقة العربية ومن العالم للقدوم إلى الأردن .
د. تأكيد مفاهيم الأمن الوطني الأردني في ظل استمرار المفاوضات على المسار الفلسطيني التي لم تتضح بعد بشكلها النهائي .
هـ. تأكيد أن مفهوم شعار الأردن أولاً لا يتقاطع مع الدور القومي مع الدول العربية الشقيقة، بل إن الأردن القوي هو الظهير القوي لأمته العربية.
و. فهم وإدراك أبعاد العلاقة الأردنية الفلسطينية ودورها في قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني .
ز. فهم وإدراك أبعاد العلاقة الأردنية بالمسألة العراقية وموقفها من الشعب العراقي الشقيق.
ح. دفع التوجه الديمقراطي في الأردن إلى الأمام وتكاتف الجهود لإنضاج التجربة الديمقراطية في الأردن.
ط. تعزيز القيم الوطنية بكافة أشكالها وتعزيز الثقافة الوطنية الأردنية على كافة الأصعدة.
ي. السعي لتحقيق أهداف التنمية الوطنية الشاملة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية .
10. الدور التاريخي للأردن وأثره على الشخصية الوطنية الأردنية .
أ. الدور الأردني في حياة الأمة العربية ليس طارئاً أو جديداً وإنما هو دور تاريخي ريادي يستند إلى الثورة العربية الكبرى التي هدفت إلى وحدة العرب وحريتهم وتوفير الحياة الكريمة لهم .
ب. تحمُّل الأردن وقيادته الهاشمية الكثير نتيجة حرصه الدائم على الحقوق مهما كانت التضحيات أو العقبات ، ودفعت القيادة الأردنية الهاشمية ثمن مواقفها ومبادئها ومن بينها استشهاد الملك المؤسس في جنبات الأقصى على ثرى القدس الشريف. وقبله فَقَدَ الشريف الحسين بن علي عرشه وملكه لتمسكه بالحقوق العربية .
جـ. انطلاقا" من المبادئ الأردنية الهاشمية والرسالة التاريخية ارتبط الأردن بقضايا الأمة العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ، والمسالة العراقية بعد حرب الخليج الثانية والاحتلال الأمريكي للعراق ، لقد قال الشريف الحسين بن علي (إننا نحافظ على أصغر قرية في فلسطين حفاظنا على بيت الله الحرام ونريق في سبيل ذلك آخر نقطة من دمائنا) وقد ضحّى بعرشه في سبيل ذلك الهدف وقد درج الهاشميون من بعده على نهجه تجاه القضايا الوطنية والعربية .
د. ارتبط الأردن بالقضية الفلسطينية وكانت عاملاً مؤثراً على السياسة الأردنية الداخلية والخارجية ، فهي لم تكن قضية شعب فلسطين فحسب ، بل قضية الأردن الأولى ، ومثَّل الأردن بلد الأنصار و العمق الاستراتيجي الدائم للشعب الفلسطيني ، ففي عام 1948 دخل الجيش العربي الأردني مع الجيوش العربية الحرب في فلسطين وقدّم مئات الشهداء ، وتمكّن من المحافظة على القدس عربية ، ووقف الأردن مع مصر في عام 1956 أثناء العدوان الثلاثي ، وأخذ الأردن دوره في المشاركة في حرب عام 1967 غيــر المتكافئــة ، كما خاض الأردنيون معركة الكرامة في 21 آذار 1968، وشارك الجيش العربي في حرب عام 1973 ، وقد تبلورت الاستراتيجية الأردنية فيما يلي :-
(1) رفض الحلول الجزئية المنفردة .
(2) رفض موضوع الخيار الأردني " المفاوضة نيابة عن الفلسطينيين" ورفض مقولة "الوطن البديل " .
(3) إصرار الأردن على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.
(4) دعم صمود الأهل في الضفة الغربية .
(5) اعتراف الأردن بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثّل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني انسجاماً مع مقررات مؤتمرات القمة العربيـة .
(6) التمسّك بعروبة القدس واعتبارها محور السلام وجوهره.
(7) تقديم المظلة للوفد الفلسطيني لتمكينه من المشاركة في المفاوضات السلمية في مؤتمر مدريد وما بعده ، بعد أن رفضت إسرائيل والولايات المتحدة التفاوض مباشرة مع منظمة التحرير الفلسطينية .
(8) تمسّك الأردن بتنفيذ خارطة الطريق التي تعهّدت بقيام دولة فلسطينية على التراب الوطني الفلسطيني استناداً إلى قرارات الأمم المتحدة (242 ) و (338 ) وحل قضايا اللاجئين والمياه وغيرها.
هـ. إن طبيعة التهديدات التي تتعرض لها المنطقة العربية في هذا الظرف الحرج تتطلب أن يكون الأردن قوياً وسنداً للشعب الفلسطيني في معركته للحصول على حقوقه التاريخية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة .
و. الأردن هو عمق فلسطين وقاعدة القوه للشعب الفلسطيني .
11. الوحدة الوطنية وأثرها على الشخصية الوطنية .
أ. تشكّل الأزمات السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو الكوارث الطبيعية المحك الذي يختبر خلاله التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية لأي بلد من البلدان ، وهي النوافذ التي يدخل منها الأعداء للإضرار بالوطن والأمة .
ب. إن قضايا الوحدة الوطنية والاندماج الوطني ليست شعارات تطلق في المناسبات الحرجة أو أغانٍ تشحن النفوس لفترة من الوقت ثم تتلاشى، بل إن مفهوم الوحدة الوطنية أعمّ وأكبر وأشمل، فهو شعور ولاءٍ وانتماءٍ من الفرد، وممارسة هذا الأمر عملياً من أجل رفعة وعزّة الوطن والأمة، وبالمقابل فإن هذا الفرد يتوقع من وطنه الرعاية والأمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي له ولأبنائه من بعده .
جـ. الوحدة الوطنية تعني القدرة على دمج العناصر السكانية في وحدات اجتماعية منسجمة، ومن ثم تأطيرها سياسياً واجتماعياً ضمن هيئات ومؤسسات ديمقراطية ، وإن الوحدة الوطنية يمكن إنجازها من خلال العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي المستمر، وعلينا أن نتذكّر بأنها لا يمكن أن تكون بوصفة سحرية .
د. إن من أهم العوامل التي تعزِّز الوحدة الوطنية هو توفير الظروف المناسبة لأفراد المجتمع للانتقال- وحسب قدراتهم - ضمن السلّم الاجتماعي (الحراك الاجتماعي) ، وبذلك يتم منع الاحتقان ، ويتم تعزيز الأمن الاجتماعي من خلال تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص للجميع ، أضف إلى ذلك نزاهة سلطات الدولة ومؤسساتها وابتعادها عن المحاباة والتحيّز لأيّة جماعـات عرقية أو جهوية أو طبقية أو طائفية على حساب جماعات أخرى .
هـ. تستند الوحدة الوطنية إلى عدّة ركائز أهمها:
(1) جهاز إداري على درجة عالية من الكفاءة وحسن الأداء .
(2) استناد مؤسسات الدولة إلى معايير الكفاءة والنزاهة والولاء للوطن.
(3) تحقيق الاندماج الاجتماعي بين المؤسسات الاجتماعية وتعتبر المؤسسة العسكرية الأردنية مؤسسة متميزة في تحقيق الاندماج الاجتماعي نظراً لما تتحلّى به من احترام للنظام والانضباط ، فالضبط والربط من أهم سمات القوات المسلحة الأردنية/ الجيش العربي ، وهو عنصر هام في قوتها باعتبارها تمثّّل المؤسسة الأولى المعنية بالدفاع عن الجميع ضد أي تهديد خارجي أو داخلي يستهدف هويته أو وجوده ، وتأتي أهمية القوات المسلحة الأردنية من كونها مؤسسة تقوم على أُسس إدارية متقدمة .
(4) وجود نخب اجتماعية متميزة همّها الأول بناء الوطن ، والنخبة العسكرية في القوات المسلحة الأردنية تترجم هذا التميز إلى واقع ولها دور فاعل في تحقيق التكامل والاندماج الاجتماعي ، بسبب قدرتها على دمج الأفراد من كافة الأصول الاجتماعية في بوتقة واحدة ، لذلك تعتبر القوات المسلحة الأردنية في طليعة المؤسسات التي تخلق الشعور بالمواطنة ، وهي قناة مهمة من قنوات الحراك الاجتماعي بما تتيحه لأفرادها من التحرك في السلّم الاجتماعي من أسفل إلى أعلى على أساس معايير العمل والكفاءة ، وهذا يؤكد أن القوات المسلحة الأردنية بنيت على أسس وطنية سليمة من ناحية معايير الكفاءة والإخلاص والنزاهة ، لذلك هي تمثل أداة فعالة في تحقيق الاندماج الاجتماعي والوحدة الوطنية .
(5) توفر عوامل الديمقراطية السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتعتبر التعددية جوهر العملية الديمقراطية ، وهذا ما يوفره الدستور الأردني ومجموعة القوانين الناظمة للعملية السياسية والتنمية السياسيـة في الأردن ، مثل قانون الانتخاب وقانون الأحزاب .
(6) تركيبة أسرية متماسكة حيث أن الأسرة هي المؤسسة الأصل التي تتم فيها تربية الفرد التربية الوطنية السليمة .
(7) أجهزة إعلام قوية وفاعلة ذات إحساس وطني صادق لكي يكون لها دور فاعل في خلق الروح الوطنية من خلال وصولها السريع للمجتمع والتأثير في اتجاهاته وآرائه .
(8) علاقات متينة وإيجابية بين السلطات الثلاث في النظام السياسي وتعاون بين السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية .
9. تطوّر الحياة السياسية وأثره في الشخصية الوطنية الأردنية
أ. لقد كانت التوجهات ومنذ تأسيس إمارة شرق الأردن في عام 1921 أن تكون الدولة دستورية برلمانية وديمقراطية ، حيث تم توفير البيئة الملائمة للعمل السياسي منذ البدايات ومرّ بعدة مراحل وكما يلي :
(1) وضع القانون الأساسي عام 1928 .
(2) وضع دستور عام 1947 بعد استقلال المملكـــة الأردنية الهاشمية في 25 أيار 1946 .
(3) وضع الدستور الأردني المعمول به حاليّاً عام 1952والذي أُعتبر دستوراً متطوراً وحديثاً بكل المقاييس .
(4) الميثاق الوطني في عام 1988 .
ب. كما تطوّرت الحياة التشريعية في الأردن كما يلي :
(1) المجلس التشريعي الأول الذي عقد جلسته الأولى في 2/4/1929 .
(2) المجلس التشريعي الثاني الذي عقد جلسته الأولى في 10/6/1931 .
(3) المجلس التشريعي الثالث الذي عقد جلسته الأولى في 1/11/1934 .
(4) المجلس التشريعي الرابع الذي بدأت دورته الأولى في 1/11/1937.
(5) المجلس التشريعي الخامس الذي انعقد في 1/11/1942 .
(6) في عام 1947 تمّ إنشاء مجلس الأمة الأول (مجلس النواب السادس) حيث نص الدستور على تشكيل مجلس للأمة يتألف من (مجلس النواب ومجلس الأعيان) وأُطلق اسم مجلس النواب بدلاً من المجلس التشريعي .
(7) استمر مجلس النواب حتى الآن حيث يقوم مجلس النواب الرابع عشر وقت إعداد هذا الموضوع .
جـ. وضعت الدولة قانوناً للأحزاب لتنظيم الحياة السياسية من أجل المساهمة في صقل الشخصية الوطنية السياسية الأردنية .
د. لقد أدّى التطور في مجال القضاء (الدستور والقانون) والتشريع (المجالس التشريعية والنيابية ) ومنظمات المجتمع المدني (الأحزاب وغيرها) إلى المساهمة في صقل الشخصية الوطنية الأردنية، وإن كان هناك بعض التأثير في بعض المراحل السياسية والذي مردّه إلى ارتباط بعض الاتجاهات السياسية بأفكار من خارج الوطن ، إلا أن السفينة تسير بالاتجاه الصحيح من خلال رؤية سياسية لجلالة الملك عبد الله الثاني القائد الأعلى للقوات المسلحة واضحة وشفافة ومرتبطة ارتباطاً مباشراً بأن يكون الأردن أولاً على كافة الصعد ، وذلك من خلال استراتيجية واضحة للتنمية السياسية ترتكز على قواعد وطنية أردنية .
هـ. كما أن التوجه نحو الديمقراطية كان خياراً إستراتيجياً أردنياً من أجل توفير مناخ من الاستقرار السياسي وخلق مناخ تنافسي أمام القوى الوطنية لخدمة الأردن ، فالأردن دولة ديمقراطية ، وتمتاز بأنها في مصاف دول المؤسسات والقانون مما كان له الأثر الكبير في تعزيز الشخصية الوطنية الأردنية بشكل عام .
مواقع النشر (المفضلة)