إذاً فقد فعلتها ناسا مجدداً وهبطت مركبة الفضاء كِريوسيتي بسلام على سطح الكوكب الأحمر صباح اليوم لترسل لنا صورها الأولى:
عمّت الاحتفالات مركز تحكم مهمة المريخ بمدينة باسادينا الأمريكية مع إعلان هبوط المركبة بسلام، وتبادل الجميع عبر الشبكات الاجتماعية ومواقع الإنترنت الفرحة بهذا الإنجاز الكبير الذي حققته ناسا للبشرية.
وكانت المركبة كِريوسيتي قد غادرت كوكبنا في نوفمبر الماضي لتقطع مسافة 566,489,088 كيلومتر في طريقها للمريخ، لتصل أخيراً صباح اليوم بعد ثمانية أشهر ونصف لتهبط بسلام على سطح الكوكب الأحمر.
فما أهمية هذه المهمة التي تكلفت 2.5 مليار دولار؟
ولماذا يرسل الإنسان مهام استكشافية مجدداً للمريخ؟
سنجيب على هذه الأسئلة وغيرها من خلال هذا التقرير الموجز، لكن دعونا نستوعب في البداية حجم الحدث التاريخي:
حين تنظر للسماء ليلاً وترى كوكب المريخ الذي سيبدو لك كنجمة مضيئة تبعد عنّا ربع مليار كليومتر.. تصور أن على سطحه الآن مركبة فضائية أرسلها الإنسان لترسل لنا صوراً ومعلومات عن أسراره!
صحيح أنها ليست المرة الأولى التي يرسل فيها الإنسان مركبة للمريخ، لكنها المرة الأولى التي تُرسَل فيها مركبة بهذا الحجم والتعقيد:
فما الذي سيفعله مسبار تكلف 2.5 مليار دولار؟
يحمل كِريوسيتي 10 أجهزة متطورة جداً شاملةً جهاز ليزر قوي يستطيع إذابة الصخور على بعد 9 أمتار، ويحمل كذلك مختبراً كيميائياً نقّالاً لتحرير مكونات الصخور، بجانب تجهيزه بذراع آلية قوية قادرة على الحفر في الصخور والتربة.
الهدف الرئيسي من هذه الأجهزة هو البحث عن مكونات الحياة الأساسية (كما نعرفها) وهي الكربون والنيتروجين والفسفور والأكسجين والكبريت.
وهذا الفيديو يوضح لكم موجزاً لمهمة المريخ منذ انطلاقها:
يحمل كِريوسيتي كذلك جهازاً متطوراً لقياس الضغط الجوي والرطوبة وسرعة الرياح واتجاهها ودرجة حرارتها، بجانب درجة حرارة أرض المريخ ومقدار الأشعة فوق البنفسجية، لذا سيكون لدى العلماء تقرير يومي تفصيلي عن بيئة المريخ خلال هذه المهمة.
وهي بيانات ستساعد مستقبلاً في التحضير لهبوط الإنسان على المريخ خلال الـ20 عاماً القادمة (كما ذكر الرئيس الأمريكي أوباما).
جهاز ليزر متطور:
من الإضافات المثيرة لمركبة المريخ الجديدة هي جهاز ليزر قوي يستطيع إذابة الصخور على بعد 9 أمتار:
يحمل الجهاز اسم ChemCam ويبدو كأنه من أفلام الخيال العلمي، وسيستخدم لتحليل الصخور البعيدة التي لا تستطيع الذراع الآلية الوصول لها.
سيقوم شعاع الليزر بإذابة الصخور ليقوم جهاز آخر بتحليل الإلكترونات التي تنتج عن عملية الإذابة، فيتم بذلك تحليل مكونات الصخور بدقة دون الاقتراب منها!
استغرق التخطيط لمهمة المريخ عشر سنوات بمشاركة أكثر من 5,000 شخص في أمريكا، وستستمر المهمة سنتين بحثاً عن دلائل وجود حياة على سطح الكوكب الأحمر..
على فوهة جيل:
هبط المسبار كِريوسيتي صباح اليوم على فوّهة جِيل Gale Crater، وهي فوّهة عملاقة يبلغ عرضها 170 كيلومتر وتشكلت منذ 2.5 مليار سنة بسبب نيزك ضخم. ويظن العلماء أن كوكب المريخ حينها كان مغطى بالمحيطات والجو المعتدل قبل أن يصطدم به هذا المذنب المدمر. لذا توجد بعض الدلائل على وجود مياه في هذه الفوهة ويأمل العلماء أن يؤكد المسبار كِريوسيتي هذه الدلائل.
أرسل الإنسان 16 مهمة للمريخ منذ سبعينات القرن الماضي، لكن 6 فقط منها نجحت في تنفيذ مهامها، وتشاهدون في الصورة التالية مقارنة بين حجم المركبات التي هبطت على المريخ في السابق (1997 و2004 على اليسار) والمركبة الجديدة التي هبطت صباح اليوم:
لكن لماذا نذهب للمريخ مرة أخرى؟
لأن الكوكب الأحمر لازال يحتفظ بأسراره وغموضه حتى الآن!
صحيح أن ناسا أرسلت العديد من المركبات التي تدور في مدار الكوكب حتى اليوم، وهبط اثنان منها في 2004 على سطحه ولازالا يعملان أيضاً حتى اليوم، لكن هذه المهام كشفت عن كثير من الأسئلة بدلاً من أن تكشف عن إجابات!
لذا تأتي مهمة كِريوسيتي لتجيب عن بعض الأسئلة:
- هل توجد حياة على المريخ؟ (المقصود حياة ميكروسكوبية)
- ما الذي حدث على الكوكب منذ 3.5 مليار سنة ليدمر بيئته؟
- هل يمكن أن يحدث ذلك لكوكبنا في المستقبل؟
- ما هي إمكانية هبوط إنسان على المريخ في المستقبل؟
ستستغرق كِريوسيتي سنتين في مهمتها بحثاً عن إجابات لهذه الأسئلة وغيرها، لكن على الرغم من تعقيد هذه المهمة وتطورها إلا أن المريخ يحتاج بالتأكيد لمزيد من الرحلات الاستكشافية في المستقبل..
أول صورة من المريخ!
بدأت المركبة كِريوسيتي فور وصولها إرسال صور بجودة منخفضة وكانت هذه إحداها:
وماذا بعد؟
الخطوة التالية التي يخطط لها العلماء من الآن هي الحصول على صخور من المريخ والعودة بها إلى الأرض، وهو ما ستسعى لتنفيذه وكالة الفضاء الأوروبية بالتعاون مع وكالة الفضاء الروسية خلال الأعوام الست القادمة، استعداداً لإرسال إنسان للمريخ خلال 20 عاماً!
فما الذي ستكشفه لنا مركبة الفضاء كِريوسيتي وأي تأثير ستحدثه على خطط الإنسان لغزو الفضاء؟
ستجيبنا الأيام القادمة عن هذا السؤال ..
مواقع النشر (المفضلة)