سر حقيقة الصلاة (الاعجاز)
الصلاة والمفاصل
عن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت رسولالله صلى الله عليه وسلم يقول:
(( في الإنسان ستون وثلاثمائةمفصل، فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منها صدقة. قالوا: فمن يطيق ذلك يا رسول الله؟قال: النخاعة في المسجد تدفنها ، والشيء تنحيه عن الطريق ، فإن لم تقدر فركعتاالضحى تجزئ عنك )) رواه أحمد وأبو داوود وابن حبان وابن خزيمة فيصحيحهما
وإذا كانت الصلاة كركعتي الضحى صدقة على المفاصل، فالصلاة صحة أيضاللمفاصل، وبدون صحة المفاصل لا نتمكن من أداء الصلاة وهي أهم فرائض الدين، بل هيعماد الدين من أقامها فقد أقام الدين ومن تركها فقد هدم الدين، وهي عمود الإسلام. فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(( رأس الأمرالإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ))1 – روحالصلاة:
وأولا وقبل كل شيء يجب أن ننوه بأن روح الصلاة هي الخشوعوالخضوع لله عز وجل فإذا أداها العبد كما ينبغي فقد فاز ونال الثواب.
(( قد أفلح المؤمنون (1) الذين هم في صلاتهم خاشعون (2) )) [سورة المؤمنون]
أما إذا فقدت الصلاة الإخلاص أصبحت نظاما حركيا لا معنى له،واتصف صاحبها بالرياء في الدنيا، وسكن الدرك الأسفل من النار في الآخرة:
(( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قامواكسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا (142) )) [سورةالنساء]
وجاء في نفس السورة:
(( إن المنافقين في الدركالأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا (145) )) [سورة النساء]
2 – حركات الصلاة:وللتعريف نقول إن الحركات البدنية أثناء الصلاةتخضع لنظام رياضي خاص هو(( تقليص العضلات وتوازنها الذاتي )) حيث تنقبض العضلات إراديا بقوة وصبر ثم تنبسط بذات الطريقة بصفة متكررةوهذه الحركات البدنية تتمشى تماما مع متطلبات المجهود الرياضي الصحي بدون حدوثإجهاد وبدون حدوث إصابات، بطريق سهلة لا جلبة فيها ولا ضوضاء، وبحيث تظهر فعاليتهاعلى كفاءة القلب ونشاط الدورة الدموية إيجابيا، فالأطباء ينصحون بالانتظام فيممارسة أنواع خفيفة من الرياضة بصفة مستمرة منتظمة تمتد فترة ممارستها إلى حوالينصف الساعة تتقدمها فترة للتحمية ثم تعقبها فترة أخرى للتبريد، وتتكرر هذه الممارسة ( 3 – 4 ) مرات أسبوعيا على الأقل ولا تتجاوز فيها الطاقة ( 80 % ) من مخزونالأوكسجين الأقصى منعا للإجهاد.
وسوف نستعرض الحركات البدنية في الصلاة منأول التكبير إلى التسليم لنجد في النهاية أن ما ينشده الجسم من صحة وعافية توفره لهالصلاة بدون عناء.
وسنرى كيف أن جميع عضلات الجسم وعظامه ومفاصله تشترك في هذاالأداء وقد سعت من بيوتها تلبي النداء وتعمر بيوت الرحمن بالذكروالدعاء.
1 – التكبيرة:تتمرن فيها عضلاتالأطراف العليا وخاصة العضلات الباسطة للأصابع وتتقلص العضلات الدالية وشبهالمنحرفة وعضلات زنار الكتف الأخرى.
2 – الوقوف:تسترخي عضلات الجسم كلها ما عدا اليد اليمنى حيث تنقبض على اليداليسرى، ووضع اليد اليمنى على اليسرى يمنع ركود الدم الوريدي بالأوردة التابعةللأطراف العليا منعا لتخثر الدم بها.
3 – الركوع:تتقلص عضلات جدار البطن وعضلات الحوض والعضلة القابضة الفخذية عضلاتالكتفين واليدين والرقبة والعضدين بكل عضلاته القابضة والباسطة. ويفيد هذا الوضع معالسجود في إحداث الزفير القسري.
4 – القيام منالركوع:تتقلص عضلات الظهر والعمود الفقري والإليتين والعضلات الباسطةالفخذية والكتلة العضلية الظهرية العجزية وعضلات الرقبة الباسطة.
عن أبي مسعودالبدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود )).قالالمنذري: رواه أحمد وأبو داوود واللفظ له والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمةوابن حبان في صحيحهما.
وفي هذا الحديث تأكيدا على أهمية الخشوع والطمأنينةوإتمام الركوع والسجود في الصلاة.
5 – أثناءالسجود:تتقلص العضلات الباسطة بالرقبة أثناء الانخفاض والارتفاع بالرأسبينما تتقلص العضلات القابضة بالرقبة أثناء ثبوت الجبهة على الأرض، وأثناء وضعالسجود تنبسط أصابع القدمين انبساطا كاملا ملامسة الأرض بكل ما يعنيه البسط، وأثناءذلك تنقبض جميع العضلات الباسطة من الجهة الأمامية من الساقين، وكذلك القدمينوتسترخي العضلات القابضة بباطن الساق ( الربلة ) ويمنع هذا الوضع ركود الدم بأوردةالساقين مما يحول دون تخثر الدم مع تنشيط الدورة الدموية.
6 – التسليم: مع الالتفات يمينا ويسارا بالرقبة يتمتدليك الأوعية الدموية للعنق نتيجة انقباض عضلات الجهة ناحية الالتفات وانبساطعضلات الجهة المضادة. ويساعد ذلك على مرونة فقرات العنق كما أن تكرار السجودوالركوع يساعد على تنشيط الدورة الدموية بالعنق.
3 – الفوائد الصحية للصلاة:والآن نصنف الفوائد التي تعود على الجسم من هذهالحركات البدنية المنتظمة فيتبين أن للصلاة فوائد صحية متعددة نذكرمنها:
1 – مرونة عضلات ومفاصل الجسمالمختلفة:وقد وجد أن المصلين تندر بينهم أمراض العمود الفقري مثل اللمباجووعرق النسا وكذلك تندر بينهم التهابات المفاصل وتيبس المفاصل ومرض النقرس. وهذهالنعمة العظيمة تدوم للمؤمنين يوم القيامة يوم الكرب العظيم فلا يجدون مشقة فيالسجود خضوعا وخشوعا لله سبحانه وتعالى يوم يدعون للسجود، بينما تتيبس أصلاب وظهورالمنافقين والكافرين فلا يستطيعون السجود:
(( يوم يكشف عنساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ( 42 ) خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوايدعون إلى السجود وهم سالمون ( 43 ) )) [سورة القلم]
وعن رسول الله صلىالله عليه وسلم:
(( يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمنومؤمنة ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا )) [رواه البخاري]
2 – تنشيط الدورةالدموية بالأوردة المحيطية:( أ ) وضع اليد اليمنى على اليسرى: يمنع ركودالدم بالأطراف العليا ويحول دون تخثره بالأوردة، كما أن حركة التكبيرة هي بمثابةجرعة تنشيط للدورة الدموية بالأطراف من آن لآخر.
( ب ) أثناء السجود: انبساطعضلات الربلة وانقباض عضلات السلق الأمامية تعمل على تدليك الأوعية الدموية وتنشيطالدورة الدموية بالساقين وتندر بذلك نسبة حدوث الدوالي وجلطات الأوردة العميقةبالساقين.
( ج ) يفيد السجود: في إزالة الاحتقان الدموي عند منطقة الحوضوالعجان، ولهذا تقل نسبة حدوث البواسير والنزيف الرحمي.
3 – تنشيط الدورة الدموية المركزية:أثناء السجود كذلكالركوع ومع انقباض عضلات جدار البطن مع الضغط من الأحشاء يرتفع الحجاب الحاجز ويدفعالهواء أثناء الزفير قسرا وخاصة أنه أثناء السجود والركوع يكون التسبيح بصوت مهموسمما يؤدي إلى حدوث الزفير القسري أو الجبري. ويتولد عن هذا الزفير زيادة الضغطالسلبي في تجويف الصدر مما يدفع بالدم الوريدي القادم من أطراف الجسم والمخ بسرعةإلى الأذين الأيمن ومنه إلى البطين الأيمن ويزداد بذلك إنتاج القلب.
4 – تنشيط الدورة الدموية بالعنق:مع انخفاض وارتفاعالرأس أثناء الركوع والسجود الذي يتكرر ( 6 ) مرات بكل ركعة مع الالتفات يميناويسارا عند التسليم تضمن هذه الحركات لفقرات العنق مرونة فائقة وتكون بمثابة حركةتدليك للأوعية الدموية مما يدفع بالدم إلى المخ ولهذا تندر بين المصلين أعراض التيهأو الخرف الشيخي. وهكذا فمع كل ركعة يزداد سريان الدم دفقة وتزداد ضربات القلبخفقة.
5 – انشراح الصدر:ومع حدوث الزفيرالجبري تتخلص الرئتين من الهواء المحبوس المشبع بثاني أوكسيد الكربون ليحل محلههواء جديد مشبع بالأوكسجين مما يبعث على الحركة والنشاط. كما أن إفرازات الجهازالتنفسي المتراكمة في القصيبات الهوائية والقصبات والرغامى يسهل التخلص منها ممايزيد من انشراح الصدر عند التنفس مع المحافظة على مرونة الرئتين وتقوية عضلاتالتنفس وخاصة الاحتياطية.
وبعد فهذه كانت بإيجاز نبذة عما تحدثه الصلاة من بالغالأثر من صفاء النفس وصحة البدن وعسى أن نوجز كل ما سبق في كلمتين اعتاد الرسول صلىالله عليه وسلم أن يكني بهما عن بالغ الأثر للصلاة فكان يخاطب بلالا إذا أقامالصلاة فيقول: (( أقم الصلاة، أرحنا بها يا بلال ))وكانرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحزنه أمر فزع إلى الصلاة عملا بقولهتعالى:
(( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون ( 97 ) فسبحبحمد ربك وكن من الساجدين ( 98 ) )) [سورة الحجر]
وعنه صلى الله عليهوسلم أنه قال: (( جعلت قرة عيني في الصلاة ))
ولتكنالصلاة لنا صدقة نزكي بها عظامنا.
(( كل سلامى من الناس عليهصدقة كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحملهعليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلىالصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة )) [رواه الشيخان]
وليكن دعاءسيدنا إبراهيم مجابا دائما وأبدا بإذنه تعالى:
(( رب اجعلنيمقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل الدعاء ( 40) )) [سورةإبراهيم]
{ من كتاب رحلة الإيمان في جسم الإنسانللدكتور حامد أحمد حامد محمد }
مواقع النشر (المفضلة)