كصفعة قوية على وجهي عادت تلك القصة لذاكرتي مؤلمة ، قاهرة ، مظلمة .
رواها لي والدي يوما و تركت أثرا غريبا في نفسي ...
لقد دخل يوما أحد العمال الى مكتب الادارة في المصنع يطلب 5 دنانير سلفة ، فسأله المدير : لماذا تريدها ؟
أجاب: زوجتي تشتهي الدجاج منذ فترة و أريد أن أشتري لها و لو صوصا.
في نهاية اليوم اشترى الرجل صوصا لزوجته و ذهب اليها و لكنه وجد البيت محترقا و عرف أن زوجته في المستشفى .
لحقها ... كانت محطمة ، متلاشية ، ميتة .
نعم لقد أحرقت نفسها ، و ردد الجميع " لقد أحرقت نفسها من أجل صوص " !!!
ياه كم سخفوا الموضوع ...
الموضوع أكبر من الصوص ، أكبر من الجوع ، أكبر من اليوم و الشهر و السنة ....
الموضوع هو تراكم سنوات من الفقر و الحاجة و التحطيم و الحياة تحت الأرض ...
الموضوع هو انهيار قاومته لسنوات حتى آخر قطرة ...
الموضوع هو ألم و حزن و قهر و احساس بالظلم و اليأس و اللاشيئية ...
تتساءلون ما الذي أعاد هذه الحادثة لذاكرتي بقوة رغم أنني لم أكن جزءا الا ممن سمعوها كقصة ليس الا!!
قبل أيام كنت أسير باتجاه البنك عندما توفقت أمام واجهة أحد المحلات لأتمعن في فستان أعجبني، فستان بسيط و لكنه ملفت.
سألت عن ثمن الفستان و يا ليتني لم أسأل.
650 دينارا ... أي ما يقارب 1000 $ لفستان لا يتجاوز متري قماش !
العديد من القراء سيتلقون الفكرة بطريقة عادية و منهم من يشتري ثيابا بهذه الأسعار ، أنا شخصيا لم أستغرب الفكرة أبدا و لكن ما استغربته بالفعل هو أنني لم أجد شيئا غريبا بالموضوع!!
صور كثيرة بدأت تتردد الى ذهني في الطريق لأناس ينامون جياعا، و آخرين لا يكملون جامعاتهم بسبب عدم توفر الأقساط ، و أطفال لا يذهبون الى المدرسة لعدم وجود أحذية يرتدونها ...
و هذا فستان ترتديه فتاة لليلة واحدة بمبلغ 1000$ !!!
أرأيتم أين الموضوع ، و من أين عادت القصة ؟!
الموضوع أكبر بكثير من الصوص ...
الموضوع هو فجوة هائلة بين الطبقات لدرجة لا يرى فيها الأغنياء كيف يعيش الفقراء هنا ، لدرجة لا يتخيلون وجود أناس أقصى أحلامهم أن يدخلوا المدرسة ، لدرجة لا يصدقون أبدا أن الألف دولار تعيش بها عائلة عامل المصنع في الأردن لسبعة شهور ....
الموضوع كبير .. كبير ... كبير ... أكبر من كل صيصان و دجاجات و ديوك العالم ...
الموضوع هو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " لو كان الفقر رجلا لقتلته" .
فأين أنت يا عمر ... الفقر حطم رجالا و أحرق نساء و قتل أطفالا و نحن ما زلنا ننتظرك !
بقلم :حلا .م. طه
مواقع النشر (المفضلة)