قال صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال رئيس مجلس أمناء المعهد الملكي للدراسات الدينية
خلال رعايته لندوة "الدستور الأردني في ستين عاما" التي نظمتها جامعة اليرموك بالتعاون مع المعهد الملكي للدراسات الدينية،
أن الحكومة البرلمانية مطلب إصلاحي أفرزته المرحلة الحالية بهدف تعزيز مبدأ "الأمة مصدر السلطات"
والتأكيد على النهج الإصلاحي للدولة الأردنية التي تتجه نحو تعزيز الانفتاح على الأحزاب السياسية
ببرامجها وأهدافها المختلفة، فهذه التجربة ليست بغريبة على الأردن والأردنيين فقد كانت الدولة الأردنية سباقة
كعادتها في تعزيز قيم الحاكمية الرشيدة والديمقراطية البرلمانية التي أثمرت بتطبيق أول تجربة للحكومة البرلمانية
في الأردن عام 1956، لافتا إلى أن الأردن استشعر مبكرا ضرورة الإصلاح وبدا بتطبيقه من قمة الهرم التشريعي
وتحديدا بإقرار الدستور الأردني عام 1952، وجاءت بعد ذلك التعديلات الدستورية لعام 2012 التي تمركزت حول ترسيخ التوازن
بين السلطات والارتقاء بالأداء السياسي الحزبي والنيابي وصولا إلى صياغة تمكن مجلس الأمة من القيام بدوره التشريعي والرقابي
بكفاءة واستقلاليه، وتكريس القضاء حكما مستقلا بين مختلف السلطات والهيئات.
شار إلى أن التعديلات الدستورية جاءت لإعادة التوازن المفقود في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية،
وبإقرار هذه التعديلات يكون الأردن قد قطع شوطا كبيرا في عملية الإصلاح السياسي والدستوري مشددا
على ضرورة استمرار عمليات الإصلاح لكي تأتي التعديلات الدستورية بثمارها ويتلمس الفرد نتائجها على أرض الواقع،
فقد فرضت التعديلات الدستورية تحديا أساسيا على الدولة يتمثل في ضرورة تنفيذ هذه التعديلات وتطبيقاها على ارض الواقع،
ويأتي في مقدمة هذه التحديات إجراء الانتخابات النيابية المقبلة والبدء في تطبيق مفهوم الحكومات البرلمانية التي تقوم
على أساس تداول السلطة بين الأحزاب السياسية.
وأكد سموه على ضرورة أن يكون لدينا القناعة ذاتها بأن الأردنيين الذين واجهوا أزمات الماضي
قادرون على تخطي هذه المرحلة وبالأسلوب ذاته من خلال ترسيخ مبادئ الديمقراطية
وعدم التنكر للحياة البرلمانية نظرا لأهمية دورها في تخطي المرحلة الحالية والوصول بالأردن إلى بر الأمان،
وذلك في ضوء تلمسنا للواقع الأردني الصعب الذي تشهده البلاد جراء تردي الأوضاع الاقتصادية
والارتفاع في تكاليف الحياة المادية، موضحا أن الأحزاب السياسية تدرك أن الانتخابات النيابية
لم تعد خيارا أردنيا بل استحقاقا دستوريا ووطنيا لا مفر من إجراءه ويجب أن نعي جميعا حجم الأخطار والتحديات
التي تحيط بالوطن وتستلزم التكاتف في مواجهتها وفي مقدمتها الأزمة السياسية والاقتصادية،
مما يتطلب أن تبقى قنوات الاتصال مفتوحة وأبواب الحوار مشرعة، على أن توضع مصلحة الوطن العليا فوق كل اعتبار،
كما على الأحزاب السياسية أن تعي أيضا أن النهج الإصلاحي الذي تبنته الدولة الأردنية لن يتوقف
وان أهم مضامين التعديلات الدستورية الأخيرة هو إعادة الاعتبار إلى السلطة التشريعية وتحديدا لمجلس النواب
الذي يعد شريكا استراتيجيا في دفع عملية الإصلاح إلى الإمام، وهذا يلقي على عاتق الدولة مسؤولية توفير بيئة سياسية
وتشريعية للأحزاب السياسية لكي تنمو وتمارس دورها في إدارة شؤون الدولة، إضافة لتوفير بيئة انتخابية مناسبة
وتقديم كافة أشكال الدعم للهيئة المستقلة للانتخاب للقيام بدورها الدستوري في إجراء الانتخابات المقبلة
ضمن أقصى درجات النزاهة والحيادية والشفافية ليزول ما علق بأذهان الأردنيين من تجارب سابقة وتترسخ مبادئ دستورية أصيلة
لا غنى عنها كمبدأ الأمة مصدر السلطات ومبدأ الفصل بين السلطات والتي تعد ركائز أساسية للوصول إلى تجربة الحكومات البرلمانية،
وعندما يصبح الإصلاح ثقافة متجددة في البنيان الأردني فانه يسهل بعدها التعامل مع أية أزمات داخلية على اختلاف أنواعها
والتعايش معها دون خوف على نسيج الدولة وترابطها، مع ضرورة حفاظ عملية الإصلاح على الثوابت الراسخة في الحياة الأردنية
والمتمثلة في مجموعة القيم والمبادئ الثابتة المتجددة منذ القدم في ثقافتنا الأردنية والتي أصبحت جزءا لا يتجزأ من هويتنا الأردنية
وقوميتنا الإسلامية العربية، وتعزيز مبدأ العدالة والمساواة أمام القانون وتكافؤ الفرص لجميع الأردنيين،
إضافة لتعزيز مفهوم المواطنة بأبعادها ومفاهيمها المختلفة والتي تقوم على أساس تعزيز انتماء الأردني لهوية الأردنية وترابه الوطني.
ودعا سمو الأمير إلى صياغة ميثاق مواطنة عربي يهدف إلى تأسيس مفهوم المواطنة الكاملة
التي تقوم على أساس التمتع بالحقوق المتساوية للأفراد والجماعات وحقهم في المشاركة في السلطة
والحضور المتكافئ في الحياة العامة، مع ضرورة مراعاة هذا الميثاق لتحديد التوازن بين الحرية والمسؤولية،
وإدارة الثروات وتوزيعها وتمكين الأفراد من ممارسة حقوقهم وواجباتهم، وتحقيق الشفافية في الاتصال والتواصل
وإطلاق الإمكانات الفردية والجماعية إضافة لترسيخ الديمقراطية التشاركية المستندة إلى الحوار الموصول
والتنوع في إطار الوحدة والاعتماد المتبادل بين الأفراد والجماعات وبناء ثقافة السلام والأمن الإنساني
بين الأفراد والشعوب المختلفة، وتطبيق الدساتير والمعايير الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان.
وكان الدكتور عبدالله الموسى رئيس جامعة اليرموك أكد من خلال كلمة ألقاها في افتتاح الندوة على أهمية عقد
هذه الندوة تزامناً مع ما يشهده الأردن من إصلاحات دستورية وسياسية, مشيراً إلى أن الدستور الأردني
الذي وضع عام 1952 رسم الإطار القانوني للعمل السياسي وحدد آليات عمل المؤسسات الدستورية,
وأن دراسة الدستور في ستين عاماً تعني دراسة آثاره في إرساء التقاليد الدستورية وتعزيز دولة المؤسسات
إضافة إلى دراسة تطوره على مستوى الصياغة والأحكام, لافتاً إلى أن التعديلات الدستورية لعام 2011
جددت المبادئ الأساسية التي قام عليها الدستور من حيث مسؤولية الحكومة أمام مجلس النواب
إضافة إلى استحداث مؤسسات مهمة على رأسها المحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للانتخابات,
وأن التعديلات الدستورية بمثابة بوابة لإصلاحات إضافية, وأن مسيرة الإصلاح لن تتوقف
وذلك من خلال التطبيق الناجع للتشريعات السياسية وأهمها قانوني الانتخاب والأحزاب وصولاً إلى حكومة برلمانية تعبر عن أغلبية نيابية.
مواقع النشر (المفضلة)