شكّلت قضية القدس، وما تزال، التناقض الأساسي في الصراع الفلسطيني- الصهيوني والعقبة الرئيسية أمام أي حلّ سياسي لهذا الصراع على الأرض الفلسطينية. لهذا ومنذ اليوم الأول للاحتلال لم تتوقفْ يوماً المخططات الصهيونية الرامية ليس إلى ضم القدس فحسب بل إلى تهويدها بالكامل، عن طريق مصادرة الأراضي وبناء المستعمرات والمشاريع الاستعمارية اليهودية التي تفتقت عنها عقلية الاحتلال، وكان آخرها الجدار العازل الذي يمثل تطوراً خطيراً في شكل الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية تحت شعار الجدار الآمن أو الفاصل أو الواقي.
وجاءت خطة التهويد التي تحاول دولة الاحتلال استكمالها في مدينة القدس في حلقات ثلاث:
1- تتمثل الأولى بعزل مدينة القدس عن محيطها، وعزل المقدسيين العرب عن مؤسساتهم المدنية والوطنية والإدارية وعن أي نشاط يحافظ على ترابطهم.
2- التشريع بعمليات الطرد وتنفيذها بمختلف الوسائل.
3- متابعة المستوطنين اليهود وإحلالهم محل المقدسيين العرب مسلمين ونصارى.
والمتتبع للمنهج الصهيوني في القدس، يلاحظ أنّ الدولة العبرية تعمل على أساس فرض الأمر الواقع على القدس على كافة المستويات والصُعد، وتسعى لأن تروّج بضاعتها على الساحة الإقليمية والدولية وبالتالي دفع الكلّ الإقليمي والدولي لتقبّل الاستحداثات الجديدة في القدس، وما التسليم بالأمر الواقع من قبل المجتمع الدولي لما تحدثه الدولة العبرية في القدس إلا تراكماً في ميزان الإنجازات الصهيونية والجدار العازل خير مثال على ذلك.
وفي إطار محاولتها حسم مسألة السيادة على القدس، تقوم الدولة العبرية بحملةٍ واسعة لعزل القدس عن محيطها الفلسطيني، سياسياً، جغرافياً، اقتصادياً، اجتماعياً وديمغرافياً، وتجنّد لذلك كل أجهزتها ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية وإمكانياتها داخل البلاد وخارجها. وعززت هذا التوجه، بإقامة جدار الفصل حول المدينة المقدسة، وأحزمة استيطانية حولها بالكامل، وترافق ذلك ببناء وتعزيز الاستيطان، في قلب الأحياء العربية، والبلدة القديمة.
ليس هذا فحسب، بل وتشير بعض الكتابات الصهيونية إلى أنّه تجري تحضيرات لعمل زلزالٍ اصطناعي في مكانٍ قريب من الأقصى، ومع التقويض المستمر للأساسات من خلال الأنفاق تحت المسجد يتهدم المسجد الأقصى، ومن ثمّ يقول الصهاينة إنّ المسجد تهدّم بفعل قوى الطبيعة، وإنّ الهيكل كان موجوداً قبل المسجد الأقصى، ويجب الآن بناء الهيكل مكانه ولا مانع لدينا من عمل مصلّى صغير جوار الهيكل للمسلمين وهذا دليل على حسن نيتنا!!.
الاستيطان يلتهم القدس
منذ اللحظات الأولى لاحتلال القدس، بدأت خطوات تهويد المدينة واتفقت الحكومات الصهيونية المتعاقبة سواءً المعراخ أو الليكود على هذه السياسة ووضعت البرامج الاستراتيجية والتكتيكية لبلوغ هذا الهدف. فبعد الإعلان عن حدود بلدية القدس وتوسيعها بتاريخ 28/6/1967م، وطبقاً للسياسة الصهيونية للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض مع أقل عدد ممكن من السكان العرب، قام رحبعام زئيفي بالتنسيق مع موشي ديان بتوسيع حدود البلدية لتضم أراضي 28 قرية ومدينة عربية وإخراج جميع التجمعات السكانية العربية، لتأخذ هذه الحدود وضعاً غريباً.
ومنذ الساعات الأولى للاحتلال بدأت الجرافات الصهيونية رسم معالم تهويد القدس وفرض الأمر الواقع وخلق ظروف – جيوسياسية، بحيث يصعب على السياسي أو الجغرافي في إعادة تقسيمها مرة أخرى، فبدأت بوضع الأساسيات لبناء الأحياء اليهودية بالقدس الشرقية لتقام عليها سلسلة من المستعمرات التي أحاطت القدس من جميع الجهات، وغرزتها بالمستوطنين، لتخلق واقعاً جغرافياً وسكانياً بغية إحداث خلخلة سكانية. فبعد أنْ كان السكان الفلسطينيون يشكّلون أغلبية عام 1967 أصبحوا أقلية عام 1995، وبعد أنْ كانوا يسيطرون على 100% من الأراضي، أصبحوا يسيطرون على 21% من هذه الأراضي، بعد عمليات المصادرة التي طالت ما نسبته 35% من مساحة القدس الشرقية.
وتمّ استخدام أسلوبٍ عصري في تهويد المدينة، وهو قانون التنظيم والتخطيط. وقد انبثقت من هذه السياسة مجموعة من الخطوات الإدارية والقانونية في مجال التنظيم والتخطيط، فبدأت قوانين التقنين وإجراءات التراخيص تأخذ مداها في الإعجاز وارتفاع التكاليف، مما أدّى إلى تحويل ما يزيد عن 40% من مساحة القدس إلى مناطق خضراء يمنع البناء العربي عليها، واستخدامها كاحتياط لبناء المستعمرات المستقبلية، كما حدث لجبل أبو غنيم.
كما أدّت هذه السياسة إلى هجرة سكانية فلسطينية كبيرة من مدينة القدس إلى الأحياء المحيطة بالمدينة، بسبب سهولة البناء وقلّة التكاليف. كذلك انبثق عن هذه السياسة تقليص كبير للاستثمار في البنى التحتية والقطاع السكاني بالفلسطينيين، وعلى الرغم من أنّ فلسطينيّي القدس الشرقية يدفعون الضرائب نفسها التي يدفعها الصهاينة، إلا أنّ 50% من هذه الضرائب تعود إلى القدس الشرقية، ما أدّى إلى وجود فجوة في البنية التحتية والتطوير، وتحولت القدس الشرقية إلى مدينة سيئة البنية التحتية لأنّ سياسة البلدية اقتصرت على الخدمات اليومية.
وبعد أنْ تمّت محاصرة القدس الغربية من جميع الجهات بالمستعمرات، وإقامة الوحدات السكنية اليهودية، بدأت مرحلة أخرى من مراحل التهويد وضرب العصب الاقتصادي الفلسطيني، وذلك بالإعلان عن مخططات جديدة هدفها تقييد النشاط التجاري بطمس التجارة والصناعة بالمدينة، حيث تنوي البلدية إحداث تغييرات جذرية على المنطقة التجارية وتحويل مركز المدينة إلى مدينة أشباح.
وفي عام 1993 بدأت مرحلة من مراحل التهويد ورسم الحدود، وهي رسم ما يسمى بالقدس الكبرى (المرتوبوليتان) وتشمل أراضي تبلغ مساحتها 840كلم2، أو ما يعادل 15% من مساحة الضفة الغربية، لتبدأ حلقة أخرى من إقامة مستعمرات خارج حدود البلدية، لكن هدفها هو التواصل الإقليمي والجغرافي بين المستعمرات في الضفة الغربية وخارج حدود البلدية، بالإضافة إلى إقامة شبكة من الطرق بين هذه المستعمرات. وهكذا فإن خارطة الحكومة الصهيونية للاستيطان في منطقة القدس تشمل (غوش عتصيون، إفرات، معاليه أدوميم، جعبات زئيف)، ويجري فيها البناء بطاقة كاملة.
والأهداف الصهيونية من وراء هذه الإجراءات هي: الحفاظ على طريق حرة للسكان والتجارة، تعزيز وإسناد مكانة القدس الخاصة كعاصمة للدولة العبرية وكمدينة عالمية، خلق تواصل واضح للسكان اليهود، ومنع المناطق الفلسطينية بقدر الإمكان من تشكيل جيوب سكانية متداخلة، وتقليص التقارب والاحتكاك مع العرب، ووصل مستوطنات (معاليه أدوميم)، (جعبات زئيف)، (غوش عتصيون)، (بيتار) مع القدس بواسطة ممرات (أنفاق) من خلال إيجاد تواصل مع السكان اليهود داخل حدود بلدية القدس.
أمّا أخطر الأطواق الاستيطانية فهي التي تقع ضمن حدود بلدية القدس الموسعة، أو ما يسمى بـ"الحي اليهودي". وقد بوشر العمل بهذا الطوق منذ العام 1967 مباشرة بهدم حارة الشرف بالقدس لتوسيع وبناء الحي اليهودي الجديد بتاريخ 1968 حيث تم مصادرة (116 دونماً) بموجب قرار أصدرته وزارة المالية مرفقاً بالخارطة رقم 5 ب/أ/108/322 ونشر بالجريدة الرسمية رقم 1443 كان قائماً على هذه المساحة المصادرة 595 بناية تضمّ 1058 دكاناً ومتجراً، بالإضافة إلى خمسة جوامع وأربع مدارس وسوقاً عربية تاريخية هي (سوق الباشورة) وشارعاً تجارياً هو جزء من شارع باب السلسلة، ويقع على طول هذا الشارع عددٌ من العمارات التاريخية التي يعود تاريخ بنائها إلى العصر المملوكي، وكان يعيش في هذه المنطقة نحو 6000 عربي في ثلاثة أحياء هي حي المغاربة والذي دُمِّر كلياً بعد الحرب مباشرة، وجزء من حي السريان وحي الشرف.
وتشكّل مساحة هذا الحي حوالي 20% من مساحة البلدة القديمة من القدس (868 دونماً، مساحة البلدة القديمة) و قد بذلت السلطات جهوداً مكثفة ووظفت استثمارات مالية هائلة لإعادة بناء الحي، ليس بصورةٍ موسعة فقط، بل وبدقة عالية من المعمار الحديث لمباني البلدة القديمة مع الطابع العصري في هذه المباني لجعل هذا الحي معلماً سياحياً وحضارياً من معالم المدينة، بالإضافة إلى الشروط المريحة للاستيطان، وبلغ عدد سكان هذا الحي 2600 نسمة عام 1998م.
وقد نُشِر المشروع رقم 2185 الذي تبلغ مساحته 105 دونمات والذي يقضي بإقامة 650 وحدة سكنية تشتمل على 2100 غرفة على مساحة 80 دونماً، أما عدد الوحدات المخططة فتبلغ 2122 وحدة، وأقيم في هذا الحي مؤسسات تعليمية ونواد ومراكز للأمومة والطفولة وعيادات صحية.
تطويق بالمستعمرات
أمّا الحيّ الآخر داخل حدود بلدية القدس فهو (نفي يعقوب) وصودر من أجله 1835 دونماً، وبلغ عدد الوحدات السكنية 3800 وحدة سكنية يقيم فيها 19300 نسمة، على مساحة 862 دونماً بموجب المخطط الهيكلي رقم 1542، بالإضافة إلى وجود أربعة دونمات مناطق خضراء تعتبر احتياطياً للتوسّع المستقبلي للمستعمرة.
وهناك "حي راموت" الذي استُوْلِيَ من أجله على 4840 دونماً وتوجَد فيه 8000 وحدة سكنية يقطنها الآن 37,200 نسمة، كما جرى توسيع حدودها مرة أخرى حاملة اسماً آخر هو (حي راموت 6) والذي يهدف إلى إقامة 200 وحدة سكنية جديدة.
والمستعمرة الكبيرة الأخرى هي (جيلو) المقامة على2700 دونم أقيم فيها 7484 وحدة سكنية يسكنها 30,200 مستوطن، وقد تمّ توسيع حدودها أكثر من مرة كان آخرها، إضافةً 30 وحدة سكنية، بعد أنْ تمّت مصادرة المزيد من الأراضي على اعتبار أنها أملاك غائبين. وتعتبر هذه المستعمرة أكبر المستعمرات التي تقع في الجزء الجنوبي الغربي، حيث تسيطر على الأراضي والمناطق العليا المشرفة على بيت جالا وبيت لحم، وكذلك على مدينة القدس، وقد شق شارع عريض يصل بين مركز المدينة والمستعمرة (شارع بات- جيلو)، وقسّم بالتالي بيت صفافا إلى شطْرين، ويشير المخطط العام للمستوطنة إلى إقامة 9000 وحدة سكنية. وهناك (تلبيوت الشرقية) التي تبلغ مساحتها الإجمالية 2240 دونماً، وأقيمت فيها 4400 وحدة سكنية تستوعب حوالي 15.000 نسمة، وتشكّل هذه المستعمرة مع مستعمرة (جيلو الحزام) الجنوبي الشرقي من أحزمة الطوق حول القدس، ويقع جزء كبير من هذه المستعمرة على الأراضي الحرام التي تفصل الأردن و(إسرائيل)، وتشرف عليها قوات مراقبة الهدنة.
(معلوت دفنا)، وقد أقيمت على أراضي صودرت بموجب قرار رقم (هـ ف/111/322) وتعود ملكية هذه الأراضي إلى عائلات من مدينة القدس، ويشير المخطط الهيكلي رقم 1439 إلى أنّ مساحة هذه المستعمرة تبلغ 389 دونماً، وأقيمت عليها 1184 وحدة سكنية بُدئ في إنشائها عام 1973 في المناطق الحرام السابقة التي كانت تفصل بين القدس الشرقية والغربية. وقد شقّ شارع رقم (1) بالقرب منها، وتعتبر من مستعمرات أحزمة (القلب)، وهو البناء داخل الأحياء العربية، وضمن مخطط الأصابع، لعزل وتفتيت الأحياء العربية، حيث أقيم بجوارها المبنى الضخم لمقر حرس الحدود. وتخطط الحكومة لإنشاء المزيد من الوحدات السكنية في الأماكن التي بقيت خالية، بموجب خطة شارون (26 بوابة حول القدس)، ويبلغ عدد سكانها 4700 نسمة.
الجامعة العبرية، أقيمت المباني للجامعة العبرية على أراضي قرية العيسوية عام 1924م، بالإضافة إلى مستشفى، وبقيت الجامعة ضمن المنطقة الخاضعة لإشراف الأمم المتحدة المنزوعة السلاح. وبعد عام 1967 تمت مصادرة مساحات واسعة من أراضي قريتي العيسوية ولفتا، وجرى توسيع حدودها على حساب المناطق الحرام والمناطق العربية، حيث تمّ وصلها بالقدس الغربية عن طريق المستعمرات التي أقيمت على مقربة منها (التلة الفرنسية، جبعات همفتار، رامات أشكول). وتبلغ مساحة المخطط الهيكل الذي يحمل رقم 740 حوالي (3203) دونمات. وللجامعة العبرية مكانة استراتيجية من الناحيتين الأمنية والسياسية، حيث تسيطر على شمال القدس وتشرف على مجموعة قرى حولها، بالإضافة إلى إشرافها على وادي الأردن وجبال الغربية وجبال السلط، وقد بلغ عدد سكانها 2500 نسمة.
ريخس شعفاط (جبعات هاشعفا)، وتبلغ مساحة هذه المستعمرة حسب المخطط الهيكلي 1198 دونماً. زرعت المنطقة في البداية حيث تحولت إلى محمية طبيعية، وفي عام 1990 أعلن عن إقامة هذه المستعمرات، واقتلعت الأشجار، وأنشئت البنية التحتية لإقامة 2165 وحدة سكنية لليهود المتديّنين الكنديين. ويجري الآن وصل هذه المستعمرة بالمستعمرات الواقعة إلى الشمال الشرقي (نفي يعقوب، بسجات زئيف، بسجات عومر)، بشارع يحمل رقم 21 ليصل الشارع رقم 9 داخل الدولة العبرية، ليوصل بين المستعمرات الشرقية والغربية، وفصل القرى العربية عن بعضها البعض (بيت حنينا، شعفاط).
(رامات أشكول) و(جبعات همفتار)، تعتبر هذه المستعمرة التي أسّست حول مدينة القدس، حلقة ربط بين الأحياء في القدس الغربية والقدس الشرقية، وصودر من أجلها 3345 دونماً بموجب القرار 1425. وعلى ضوء ذلك أقيم هذا الحي الاستيطاني الذي يضم حوالي 2200 وحدة سكنية تستوعب 6600 نسمة. وتعتبر هذه المستعمرة مع (جبعات همفتار)، الجزء الغربي من الأحياء الاستيطانية التي تم إنشاؤها، لمراقبة الشارع العام الواصل بين القدس ورام الله، بالإضافة إلى تطويق مدينة القدس.
مستعمرتا (بسجات زئيف) و(بسجات عومر)، أقيمتا على أراضي قرى (بيت حنينا، شعفاط، حزما وعناتا)، وتمّت مصادرة 3800 دونم لإقامة 12,000 وحدة سكنية لإسكان 100,000. وحسب المخططات الهيكلية المعلنة ستكون هذه المستعمرة أكبر المستعمرات في الجزء الشمالي الشرقي من مدينة القدس، وتكون الحزام الاستيطاني الثاني بعد الحزام الأول المحيط بالمدينة. ويبلغ عدد سكانها حسب إحصائية عام 1988 حوالي 35,000 نسمة. وهكذا فإنّه باكتمال هاتين المستعمرتين، بالإضافة إلى مستعمرة (نفي يعقوب)، يكون تم بناء الحائط الشمالي الشرقي من المستعمرة الواقعة ضمن حدود بلدية القدس الموسعة، ولم يبقَ سوى منطقة فراغ واحدة يجب ملؤها، ليتمّ وصل جميع مستعمرات الطوق الثاني مع الطوق الأول. ولهذا السبب تمّت مصادرة 827 دونماً ضمن مشروع ما يعرف (بالبوابة الشرقية)، وأغلق الجزء الشمالي الشرقي بالحائط الثاني، وتطويق الأحياء العربية في هذه المنطقة، بالإضافة إلى الموضوع السياسي، وهو مصادرة المزيد من الأراضي العربية وتهجير السكان العرب بطريقة غير مباشرة، لعدم إمكانية البناء وإقامة المراكز الصناعية لإيجاد العمل للمستوطنين.
عطورت، وهي منطقة صناعية، أقيمت على مساحة 1200 دونم، وأقيمت فيها صناعات الأثاث والصناعات المعدنية، وتمّ نقل كثيرٍ من المصانع من القدس الغربية إلى هذه المنطقة. ونتيجة لقربها من المطار، فقد تم الإعداد لمشروع جديد يهدف إلى توسيع مدرج المطار والمنشآت الخاصة به، لاستخدامه في نقل البضائع للعالم الخارجي في حال فتحه أمام الطائرات العالمية. وتبلغ مساحة مخططها الهيكلي 1390 دونماً.
(جبعات هماتوس)، أقيمت على أراض تعود ملكيتها إلى قرية بيت صفافا ومدينة بيت جالا، وتبلغ مساحتها 170 دونماً. بُدِئَ بتأسيسها عام 1991 بنصب بضع مئات من (الكرافانات)، وتشير الخارطة الهيكلية إلى أنّ مساحتها الإجمالية 980 دونماً، وأنّ أبنيتها المؤقتة سوف تستبدل بأبنية دائمة، وإقامة 4600 وحدة سكنية. وتعتبر هذه المستعمرة مع مستعمرة (جيلو) الحزام الجنوبي الغربي الذي يبنى حول القدس من أجل منع الامتداد العربي، ومحاصرة القرى العربية التي تقع داخل حدود بلدية القدس، وفصلها عن مدن الضفة الغربية.
مستعمرة (جبل أبو غنيم)، في عام 1990 تم الاستيلاء على 1850 دونماً من أراضي القرى العربية (صور باهر، أم طوبا، بيت ساحور)، وهي الآن عبارة عن محمية طبيعية. ويشير المخطط الهيكلي الذي يحمل رقم 5053 والبالغ مساحته 2058 لهذه المستعمرة، إلى إقامة 6500 وحدة سكنية. وهكذا فإنّ إنشاء هذه المستعمرة في المنطقة الجنوبية الشرقية، وبعد أنْ يتمّ وصلها بالمستعمرات الجنوبية الغربية، تكون قد أغلقت جنوب القدس، ووضعت الشارع الواصل بين مدينة القدس وبيت لحم تحت السيطرة الصهيونية، فتغلقه متى شاءت. وقد تم تنفيذ مشروع المرحلة عام 1999 عندما طرح عطاء المرحلة الأولى لبناء 1025 وحدة سكنية.
التلة الفرنسية، تعتبر من أولى المستعمرات التي أنشئت في القدس لاستكمال حلقة الطوق حول المدينة. وتعتبر هذه المستعمرة، التي أقيمت على أراضي قريتي لفتا وشعفاط، من أكبر الأحياء السكنية في الحزام الاستيطاني الأول. وبموجب المخطط الهيكلي رقم أ1541، بلغت مساحتها 822 دونماً، وتمّت إقامة 5000 وحدة سكنية فيها، وبلغ عدد سكانها 12,000 نسمة.
مشروع ماميلا (قرية داود)، تقع غربي باب الخليل في منطقة حي الشماعة، على مساحة 130 دونماً. وتعتبر هذه المنطقة جزءاً من مخطط عام، يهدف إلى دمج القدس الشرقية بالغربية، وإعادة تشكيل هاتين المنطقتين، وتعتبر الأجزاء المصادرة جزءاً من الأملاك العربية، ويتم البناء في القرية الجديدة بطراز ونمط معين، بهدف تجاري وسياحي.
وهذا الطوق الاستيطاني يقول عملياً إنّ سلطات الاحتلال خلقت واقعاً سياسياً وديمغرافياً جديداً في مدينة القدس. فالديمغرافية الصهيونية كانت على حساب الجغرافية الفلسطينية من خلال مصادرة الأراضي، وبناء المستعمرات وإعلان المناطق الخضراء وسياسة هدم البيوت، ورفض منح تراخيص البناء. وقد أدت هذه الانتهاكات الصهيونية إلى خلق خلل ديمغرافي، لاستخدامه كوسيلة للضغط في أية مفاوضات مع الطرف الفلسطيني لإنجاز اتفاقات تخدم المصالح الصهيونية. وتقول عدة دراسات لجمعية الدراسات العربية في القدس إنّ هذه السياسة تضاعف عدد المستوطنين، وتقلّل نسبة السكان العرب الفلسطينيين الذين يشكّلون ثلث سكان القدس، أي حوالي 220 ألف نسمة، بما فيها الجزء المضموم 380 ألف نسمة، مشيرةً إلى أنّ عدد المستوطنين في مستوطنات القدس الشرقية يساوي عدد المستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة (180 ألف مستوطن).
وبلغ عدد المستوطنات في القدس حسب إحصائيات مركز أبحاث الأراضي 29 مستوطنة، 14 منها في الجزء المضموم من القدس، أيْ ما يسمى حدود القدس الشرقية. وتبتلع هذه المستوطنات الأراضي السكنية العربية، حيث تنتشر في لواء القدس على شكل تجمّعات استيطانية مكثّفة تتخذ الشكل الدائري حول مدينة القدس وضواحيها، ممثلة بمراكز استيطانية كبيرة المساحة.
وبلغ عدد المراكز الاستيطانية عام 2002 في محافظة القدس 40 مركزاً استيطانياً، تزيد مساحتها عن 88.000 دونم. ويقيم فيها ما يربو عن 230.000 مستوطن صهيوني. وقد كان نصيب (J1) من المحافظة الجزء الأعظم من عدد المستوطنين والمستوطنات، حيث يتركز المستوطنون "الإسرائيليون" في منطقة ما يسمى بحدود بلدية القدس، والتي بلغ عدد التجمعات الاستيطانية فيها 22 تجمعاً استيطانياً، يقيم فيها حوالي 180.000 مستوطناً "إسرائيلياً"، وذلك للعام 2002. وعدد المستوطنات هذا لا يشمل التجمعات الاستيطانية الصغيرة وتفرعات بعض المستوطنات، وبعض المراكز المدرجة تشتمل على أكثر من مستوطنة أيضاً.
هدم البيوت
تشير تقارير المؤسسات الحقوقية إلى أنّه وخلال السنوات الست الماضية تم هدم ما يزيد عن 650 منزلاً، بحجّة ما يسميه الصهاينة البناء المخالف للقانون في القدس الشرقية (البناء من دون ترخيص)، وقيام السلطات الصهيونية بمضاعفة العقوبات المفروضة على المقدسيين كالغرامة المالية العالية والتي تصل في كثير من الأحيان إلى عشرات آلاف الشواقل، والسجن الفعلي، وإصدار تعليمات تلزم المقدسيين بإثبات ملكية الأراضي التي يتم البناء عليها، من خلال إبراز (طابو) بهذه الأراضي، وإلزامهم بالحصول على موافقة جيرانهم، بما في ذلك مختار القرية أو الحي.
وأوضح التقرير أنّ هذه الإجراءات تندرج في إطار المخطط الصهيوني الذي يهدف إلى تهجير 180 ألف مقدسي، لضمان أغلبية يهودية ساحقة، بالمقارنة مع أعداد المقدسيين العرب الذين لن يزيد عددهم عن 30 ألفاً بحلول عام 2020م.
كما أشارت معطيات رسمية من بلدية القدس إلى أنّ 88% من إخطارات الهدم للعام 1999 التي تصدرها الجهات المختصة في القدس، هي بحق الفلسطينيين المقدسيين، إضافةً إلى أنّ معظم الإخطارات التي تصدر بحق الصهاينة، تتعلق فقط باستخدام شرفات أو إضافات للمساكن القائمة. وتقول إحصائيات أخرى إنّ السلطات الصهيونية هدمت بين العامين 1967 و2002، ما يزيد عن ألفي مسكن فلسطيني في محافظة القدس، وذلك لأسباب وحجج مختلفة، أبرزها عدم الترخيص أو انتهاؤه، أو الأراضي المقام عليها البناء للاستخدام (العام)، أو تقع خارج المخطط الهيكلي الصهيوني، أو تقع بالقرب من الشوارع، وغيرها. هذا إضافة إلى هدم المساكن بسبب النشاط السياسي وتحت عنوان الأسباب الأمنية.
في العام 2002 تمّ هدم 123 مسكناً، بلغت مساحتها 10,352 م2، يسكنها حوالي 471 فرداً منهم 237 طفلاً. وقد بلغ عدد المساكن المستولى عليها، والتي تم إغلاقها في محافظة القدس في العام 2000، أربعة مساكن. وأفادت بيانات ثلاثة منها أنّ مساحتها 325 م2، وتشمل على 11 غرفة، ويسكنها 19 فرداً منهم 5 أطفال.
ومؤخراً، كشفت جمعية الأقصى لرعاية الأوقاف والمقدسات الإسلامية النقاب عن عمليات تزوير كبيرة وخطيرة، تقوم بها جهات يهودية متطرفة لشراء عقارات عربية في القدس القديمة. وتعتمد عمليات الغش والاحتيال والتزوير على تسجيل أراض في القدس بأسماء عرب ممن ليس لهم أرض أصلاً في القدس، ومن غير سكان القدس، حيث تأتي هذه الجهات المتطرفة وتعرض أمامهم أوراق (طابو) تثبت أن أراضي مسجلة بأسمائهم في القدس القديمة وتعرض عليهم مبالغ كبيرة من الأموال لشرائها. وقد كشف النقاب عن هذه العمليات التي قد تكون وراء شراء مساحات شاسعة وعقارات في القدس القديمة من قِبَل الجهات الصهيونية المتطرفة، بعد أن توجّه مسنّ من سكان قرية قلنسوة في المثلث لجمعية الأقصى وأخبرها أنّ مجموعة من اليهود المتطرفين أتوا إلى بيته وعرضوا عليه مبلغاً من المال لبيع قطعة أرض في القدس القديمة تبلغ مساحتها 2600 م2 مسجلة باسمه، وقد عرضوا عليه الطابو الذي يثبت ملكيته لقطعة الأرض، علماً أنّه لم يملكْ شبراً واحداً في القدس. وقد طلب منهم الشخص الطابو واحتفظ به وسلّم نسخة من الطابو للجمعية. ومن ناحية جمعية الأقصى أرفقت صور الطابو بدون اسم الشخص لطلبه ذلك (في الدائرة الحمراء). ويقول المسن: "طردت المتطرفين من بيتي، وقلت لهم أنتم دجالون، ولا أملك شبراً واحداً في القدس، وأريد من هذا النشر أنْ أحذر الناس من هذه الظاهرة"، على حد قوله.
تهجير السكان
ليس خافياً أنّ جميع هذه الانتهاكات الصهيونية التي يقوم بها الاحتلال تجاه أهل القدس -مسلمين ونصارى- تقع في إطار سعيه الدائب لطردهم من مدينتهم المقدسة. وقد استطاع فعلاً أن يهجّر -مستعيناً بسياسات دول غربية- جُلّ أهل القدس من النصارى العرب الفلسطينيين، فأصبح عددهم اليوم أقلّ من تسعة آلاف، بينما كان المفروض وفقاً للنمو السكاني أن يكون في القدس الشرقية حوالي مائة وأربعين ألفاً.
والاحتلال متربص اليوم بحوالي المائتي ألف الصامدين من المقدسيين المسلمين والنصارى، يسعى بدأب لترحيلهم وفق خطة جديدة تقوم على الترحيل السري لهم، عن طريق إلغاء إقامتهم في القدس الشرقية. وقد كشف مركزا (بتسليم) و(هموكيد) "الإسرائيليان" هذه الخطة في تقريرهما المنشور بتاريخ 7/4/1997، الذي نشرت ملخصه مجلة الدراسات الفلسطينية (صيف 1997). وتحدث التقرير عن المضايقات التي يتعرض لها أبناء القدس أو الجزء الشرقي منها، والتي تهدف إلى طرد كل عربي فلسطيني من القدس، ليسهل التغلغل الصهيوني داخل الأحياء العربية.
وتتمثل المضايقات بفرض ضرائب عالية على المحلات التجارية والأبنية والمساكن وارتفاع أجرة العقارات داخل حدود البلدية، الأمر الذي قلّل البناء لارتفاع تكاليفه في القدس، وتزايد أعداد السكان مع منح إعفاءات ضريبية للمستوطنين، ومنح مقدمة من الحكومة الصهيونية، حيث اضطر العرب الفلسطينيون للهجرة من داخل حدود بلدية القدس إلى القرى المجاورة التي تكون عادة خارج حدود البلدية.
والسبب الرئيس لطرد الفلسطينيين خارج القدس هو الاستيلاء على الأراضي لبناء مستوطنات داخل حدود البلدية، الأمر الذي تسبب في نقص البقعة المخصصة للفلسطينيين، وذلك تمثل بعدة أوامر عسكرية منها اعتبارها أراض للمنفعة العامة، ومناطق خضراء، غير مسموح البناء فيها، وإغلاق عسكري ومنع البناء، إضافة إلى قرار الاستملاك الذي يعتبر من أخطر القرارات ويتم بموجبه استملاك الأرض لصالح الدولة.
وفي إطار ذلك تم توسيع حدود البلدية (القدس الغربية) بشكلٍ رسمي، وعملياً تم الاستيلاء على 72 كلم2 بقرارات مختلفة، وبتقييد التمدد العمراني في القدس وتحويل المناطق الخضراء إلى مستوطنات صهيونية، كما حدث مع جبل أبو غنيم.
وفي إطار السياسات نفسها فقد آلاف الفلسطينيين المقدسيين حق إقامتهم في بلدهم القدس، وذلك بناءً على الحدود الإدارية للقدس من وجهة نظر الصهاينة، الذين يعتبرون القدس جزءاً من دولة (إسرائيل). وعليه يكون الفلسطينيون الذين يقيمون في ضواحي القدس فاقدي حق الإقامة كما هي الحال للمواطنين المقدسيين الذين يقيمون في باقي محافظات الوطن، إضافة إلى الطلبة الذين يتلقون تعليمهم خارج فلسطين، وأولئك الذين يقيمون بشكل مؤقت في الخارج.
إنّ البيانات عن مصادرة وإلغاء بطاقات الهوية المقدسية ما زالت تستند بشكلٍ أساسيّ على ما يتم الإعلان عنه رسمياً من خلال وزارة الداخلية الصهيونية، والتي تشير إلى مصادرة 6386 بطاقة في الفترة ما بين 1967–2000، وهذا الرقم يمثل هويات أرباب الأسر، وهذا يعني سحب هوية الأفراد المسجلين ضمن هوية رب الأسرة بشكل تلقائي. وعليه فإنّ عدد الأفراد الذين تم سحب هوياتهم أعلى من هذا الرقم بكثير. ومن جهة أخرى أشارت بيانات متوفرة من جمعية الدراسات العربية– مركز أبحاث الأراضي (1967-1999)، عن منح الجنسية "الإسرائيلية" إلى 3634 فرداً من حملة بطاقات الهوية المقدسية، كجزء من سياسة طمس الهوية والانتماء الفلسطيني.
ويلاحظ أنّه في السنوات الأخيرة ارتفعت نسبة مصادرة البطاقات المقدسية، حيث ما يزيد عن 50% منها أي 3,308 بطاقة تمّت مصادرتها في الفترة 1995– 2000. ومن جهة أخرى، ومن خلال الأرقام المدرجة، لوحظ انخفاض في عدد البطاقات المصادرة في العامين الأخيرين مقارنة مع الأعوام 1996-1998، وقد يعزى ذلك إلى تشبث الفلسطينيين في هويتهم وبذل أقصى جهد لتفويت الفرصة على الحكومة "الإسرائيلية" في أسبابها، رغم أنّ نضال المواطن المقدسي يكلفه العناء والجهد الشديدين، إضافة إلى التكلفة المادية العالية.
وفي هذا السياق يشار إلى أنّه لا تتوافر بيانات عن مصادرة الهويات المقدسية للعامين بعد العام 2000 بسبب تكتم الجهات الصهيونية المختصة. ومن الإجراءات التي تنتهجها الدولة العبرية لتهجير السكان الفلسطينيين من القدس:
1) التطهير العرقي في المدينة، عبر زيادة التعقيدات في إجراءات العلاج والتعليم وفرض ضرائب باهضة ومنع البناء ومنع تسجيل الأولاد في بطاقات الوالدين.
2) سلب ونهب الأراضي، فسلطات الاحتلال تمنع المقدسيين من استعمال 86% من أرضهم عبر وضعها تحت تصنيفات مختلفة: (أملاك الدولة، أملاك غائبين، بناء مستوطنات، 56% أراضٍ مصنفة خضراء، 42% أراضٍ للأغراض العامة).
3) إغلاق 15 مركزاً وجمعية ونادياً أهلياً، بعضها للمرة الرابعة والخامسة والسادسة، ومن بينها مركز أبحاث الأراضي وجمعية الدراسات العربية وبيت الشرق.
4) تخترق مجاري القدس الغربية أحياء مأهولة بالسكان في القدس الشرقية في منطقة الشيخ جراح وواد الجوز وسلوان والسواحرة، وتمثل مكرهةً صحية تلوث الهواء والمزروعات.
5) خلال العام 2005 هدمت قوات الاحتلال 100 منزل في مدينة القدس الشرقية بدعوى عدم الحصول على تصريح بناء وشردت 360 مواطناً من ساكنيها، وأكد مركز أبحاث الأراضي التابع لجمعية الدراسات العربية، أن عمليات الهدم تمت تحت حجج واهية.
الانتهاكات الدينية
أمّا أخطر الانتهاكات في القدس فهي الانتهاكات الدينية وبالأخص في المسجد الأقصى المبارك، سواءً كان في زيادة حجم التدخل الصهيوني، وتكثيف وجود أفراد الشرطة الصهيونية في ساحاته ومحيطه، أو من خلال السماح لليهود المتطرفين بالدخول والتجوال في ساحات المسجد تحت مسمى (برنامج السياحة للأجنبية في الحرم)، والذي يتم رغماً عن إرادة الأوقاف الإسلامية التي ترى فيه استفزازاً لمشاعر المسلمين.
وفي هذا السياق، تواصل الحكومة الصهيونية فرض سيادتها الاحتلالية الباطلة على المسجد الأقصى وعلى كلّ بواباته، لدرجة أنها باتت تمنع من تشاء من المسلمين من دخوله، وتصر على مواصلة حفر أنفاقها التدميرية تحت المسجد الأقصى المبارك التي باتت تشكّل شبكة، لدرجة أنها وصلت إلى عمق المسجد الأقصى تحت الأرض، وعلى وجه التحديد فقد وصلت هذه الأنفاق تحت منطقة (الكأس) التي تقع قرب الصخرة المشرفة.
وبدأت المؤسسة الصهيونية مؤخّراً بحفر نفق جديد يربط ما بين شبكة الأنفاق القائمة تحت المسجد الأقصى وحي سلوان. وقد أعلنت صحيفة (هآرتس) العبرية قبل فترة عن نية المؤسسة الصهيونية ربط بعض المباني الوزارية الصهيونية بهذه الشبكة من الأنفاق بواسطة أنفاق جديدة تحت الأرض، كما أقامت كنيساً من طابقين تحت حرم المسجد الأقصى، وبات المتطرّفون يؤدّون طقوسهم الدينية فيه، كما أقامت المؤسسة الصهيونية مركزاً أطلقت عليه (قافلة الأجيال) تحت حرم المسجد الأقصى، وهو مكوّنٌ من ستة أقسام، كل قسمٍ يرمز لوفود السائحين قبل برهة من الزمن.
ولم يقفْ أمر الجرائم الاحتلالية عند هذا الحد، بل أخذت قوات الاحتلال تمنع إدخال أي مواد إعمار إلى المسجد الأقصى، ولو كانت بحجم كأس ماء، بهدف عرقلة مشاريع إعمار هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار في المسجد الأقصى. كما منعت المؤسسة الاحتلالية هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار من متابعة مشاريع إعمار المسجد الأقصى الخارجية، التي لا تزال تهدف، ومن ورائها هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار، إلى صيانة حوائط الأقصى وبواباته من الخارج. وبذلك فرضت المؤسسة الصهيونية بقوة احتلالها شللاً تاماً على مسيرة إعمار الأقصى المبارك، رغم الحاجة الماسة لصيانة البنية التحتية للمسجد، ولصيانة مبانيه وقبابه وبوائكه ومصاطبه وساحاته وممراته، ولصيانة شبكة الكهرباء والهاتف فيه. ولكن كل شيء معطل بسبب منع المؤسسة الصهيونية إدخال أية مواد إعمار إلى المسجد الأقصى، وبذلك باتت تتراكم مظاهر الخلل والنقص والإهمال في شتى مباني ورحاب المسجد الأقصى، وهي نتيجة مأساوية لا يمكننا أنْ نقول عنها إلا أنها تحصيل حاصل لتواصل هذه الحلقات من الجرائم الاحتلالية التي كانت ولا تزال تدمر تدريجياً من المسجد الأقصى المبارك.
وازدادت حدة جرائم المنع الاحتلالي لدرجة أن هذه المؤسسة باتت تصدر فرمانات باطلة عسكرية تمنع بموجبها دخول بعض الفلسطينيين بمنْ فيهم بعض موظفي هيئة الأوقاف دخول المسجد الأقصى المبارك لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد تلقائياً، ولقد وصل عدد الممنوعين حتى الآن ما يزيد على الخمسمائة، ولا يزال العدد يزداد يوماً بعد يوم، لا بل وصلت حدة جنون المنع الاحتلالي إلى مدى هستيري لا يصدق، لدرجة أنها منعت قيام عرس لخمسين عريساً وعروساً من أهل القدس في رحاب المسجد الأقصى، ولدرجة أنها منعت ذات يوم تناول إفطار جماعي بعد يوم صيام تطوعي في رحاب المسجد الأقصى، ولدرجة أنّ أحد ضباط الاحتلال الصهيوني اقتحم المسجد الأقصى بعد صلاة الفجر ذات يوم جمعة وأخرج من المسجد كل من هم دون الخامسة والأربعين عاماً.
وبجانب جرائم المنع البائسة أقدمت المؤسسة الاحتلالية على تركيب كاميرات تصوير عند كل بوابات المسجد الأقصى كي ترصد كلّ تحركات المصلين منذ لحظة دخولهم إلى المسجد الأقصى حتى خروجهم منه، ومما زاد من فحش هذا النهج قيام المؤسسة الاحتلالية بوضع حاجز إلكتروني في بعض جهات المسجد الأقصى يمتد على طول هذه الجهات.
وتحت ذريعة فتح أبواب المسجد الأقصى للسائحين، تم فتح بوابات المسجد الأقصى لمظاهر مشينة ومخزية تتمثل بقوافل سائحات شبه عاريات بتْنَ يتسلّلْن إلى رحاب المسجد الأقصى مسرى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام. ولقد وصل الأمر أنْ ضبط بعض حراس المسجد الأقصى سائحة وسائحاً في حالة عناق في رحاب المسجد الأقصى.
وما هذه الشواهد إلا التنظير الضروري والمقدمة الضرورية لهذه الحلقات من الجرائم الصهيونية، التي كانت ولا تزال تتنامى في رحاب المسجد الأقصى المبارك وفي صفوف المصلين.
حفريات تحت الأقصى
وبخلاف الدعاية الصهيونية، فقد تبيّن أنّ عمليات الحفر التي تقوم بها سلطات الاحتلال عند باب المغاربة الذي يقع في الطرف الغربي من المسجد الأقصى المبارك، تأتي في إطار مخطّطٍ صهيوني أوسع يهدف إلى ضمان تهويد البلدة القديمة من القدس والحرم القدسي الشريف.
والحفريات الحالية تندرج في إطار مخطط تهويدي أوسع يتمّ تحت إشراف منظمات (عطيرات كوهنيم)، وهي جماعة يهودية أخذت على عاتقها تهويد القدس المحتلة، وتحديداً المسجد الأقصى، وتقوم حكومة أولمرت بتوفير الغطاء السياسي والأمني لتنفيذ مخططها حيث كشفت وسائل الإعلام الصهيونية مؤخراً تفاصيل بالغة الأهمية حول مخطط (عطيرات كوهنيم) بالتعاون مع الحكومات الصهيونية المتعاقبة بشأن مواصلة مشروع التهويد، الذي يبلغ ذروته بطرد المسلمين من المسجد الأقصى، كما يقول (يهودا عتصيون) زعيم جماعة (حاي فكيام)، اليهودية المتطرفة، والذي يلعب دوراً في عمليات التهويد.
الذي تأمّل ملياً في صورة الهيكل التي نشرتها بعض التنظيمات اليهودية الدينية المتطرفة إبان انتفاضة النفق في العام 1996، سيكتشف أنّ الكنيس الذي يتم بناؤه هذه الأيام قبالة قبة الصخرة المشرفة، ما هو إلا اكتمال بناء أحد أبراج الهيكل، فالبنية التحتية وكل مرافق البناء الأخرى قد تمّ إنجازها تحت المسجد الأقصى والمنطقة المحيطة به، ولم يبقَ إلا ظهور الشكل الخارجي على سطح الأرض، والتلة الترابية، بالإضافة إلى الغرفتين في باب المغاربة والتي تعكف السلطات الاحتلالية على إزاحتها بهدف بناء جسر يمتد من الحي الاستيطاني اليهودي إلى باب المغاربة المؤدي إلى باحة الأقصى الذي تزعم الرواية الصهيونية المزوّرة بأنّ اسمه (جبل الهيكل) ما هو إلا بداية شبكة الطرق التي سوف تربط أعضاء الهيكل في بعضها البعض ومن خلال اتّباع سياسة خلق الأمر الواقع التي تنتهجها سلطات الاحتلال والتي ستأتي على مراحل متتالية: اكتمال بناء الكنيس الذي سيظهر بشكلٍ هندسيّ ينسجم مع طبيعة القدس العمرانية ليمثّل فيما بعد أحد أبراج الهيكل، وآخرها سيكون ظهور أجزاء أخرى في باحات المسجد الأقصى ليقسمها إلى نصفين. ومؤخراً حذّرت مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية في بيانٍ عمّمته في 19/4/2007 من أعمال باشرت شركات ومؤسسات صهيونية القيام بها في أسوار البلدة القديمة للقدس بحجّة الترميم، بالإضافة إلى قيام بلدية القدس بتنفيذ مشاريع لتحويل محيط المسجد الأقصى إلى حدائق عامة، وأكّدت مؤسسة الأقصى أنّ ما منْ عملٍ تقوم به هذه المؤسسة وأذرعها المختلفة في القدس إلاّ وتسعى من خلاله إلى تهويد مدينة القدس وطمس معالمها العربية والإسلامية، وتحويل محيط الأقصى إلى مكان عام يتنافى مع تاريخ وعمرانية القدس المتميز.
وأكدت الجمعية أنّ عمليات الحفريات، وتدمير الآثار الإسلامية أو تبديل معالمها، بجوار باب المغاربة المؤدّي للحرم القدسي الشريف تعود إلى أربعين عاماً خلت، ضمن مشروع صهيوني بدأ بتدمير حارة المغاربة، في اليوم التالي لاحتلال القدس، وتواصل ليشمل منطقة واسعة على امتداد سور القدس المحيط بالبلدة القديمة، ابتداءً من باب النبي داوود، إلى باب المغاربة، وحتى السور الجنوبي للمسجد الأقصى المبارك، وهو ما يعني أن ما يحدث ليس وليد المرحلة الراهنة.
جدار الفصل العنصري
بدأ مشروع الجدار الفاصل بالأمر العسكري لقائد المنطقة الوسطى بوضع مساحة فضفاضة من أراضي الضفة الغربية منطقة عسكرية مغلقة منذ 24/9/2001، وفي نيسان/أبريل 2002 قرّرت حكومة الاحتلال "الإسرائيلي" إقامة الجدار، وخلال أقلّ من شهرٍ صادق وزير "الدفاع" على المرحلة الأولى من المخطط والتي يبلغ طولها 360 كم من مجموع 650 كم طول الجدار بكامله. وكانت مدينة القدس من أكثر المدن تأثّراً من مشروع جدار العزل العنصري الذي جاء تطبيقاً عملياً لمخطط (القدس الكبرى) الاستعماري التوسعيّ.
ويعتبر جدار الفصل في منطقة القدس حلقة من سياسة الفصل العنصري التي بدأ تنفيذها من شمال الضفة حتى جنوبها ومن شرقها حتى غربها، باعتبارها آخر السيناريوهات والمخططات لتوسيع حدود بلدية القدس من جهاتها الثلاث: الشمالية والجنوبية والشرقية.
فعلى صعيد منطقة القدس بدأ التنفيذ العملي لمخطط الجدار العنصري إثر القرار العسكري الصادر في 15/8/2003م بإنشاء عائق أمني في شمال القدس، المستند لقوانين وأنظمة الطوارئ لعام 1949م. وسبق هذا القرار ما جاء تحت عنوان (شهادة) الصادرة عن المسؤول على أملاك الغائبين والدولة بمنطقة (يهودا والسامرة) المدعوّ يوسي سيغال في 19/6/2003، جاء فيها: أُصرح بهذه الشهادة أن المنطقة المفصلة بالإضافة هي أملاك حكومة.
ويفصل الجدار شمال القدس بالكامل عن الضفة وقرى وضواحي شمال القدس حيث بدأ العمل بهذا المقطع بتاريخ 22/8/2002 بالقرب من معسكر بيتونيا وامتدّ حتى رافات وكفر عقب شرقاً لإقامة المقطع الشمالي منه حول القدس والذي يبلغ طوله 8 كم وعرضه 30-100م، ويلتهم 500 دونم زراعية إضافة إلى 300 دونم سيتعذر على أصحابها استعمالها لوقوعها في حرم السور. ويمتد المقطع الشمالي من الغرب إلى الشرق: رافات- المصيون– كفر عقب– قلنديا- الرام خلة الشيخ، وسيترك الجدار خلفه حوالي 20,000 مواطن مقدسي ممن يحملون هوية القدس المحتلة –الزرقاء– في حياة يصعب تنظيمها ويصعب على الكثير العيش فيها، بهدف حملهم على الهجرة القصرية منها، حيث تفتقر تلك المناطق اليوم إلى كافة الخدمات وعناصر البنية التحتية في الوقت الذي يدفع فيه سكانها الضرائب بأنواعها لسلطات الاحتلال وبلديته، مع العلم أنّ السور العنصري يلتهم 7000 دونم من أراضي قرى شمال غرب القدس.
وقد تم اتخاذ القرارات الخاصة بمسار الجدار الفاصل في هذه المنطقة واستصدار المصادقات للشروع في العمل، ضمن ثلاث مراحل أساسية:
1- في حزيران/يونيو 2002، وضمن القرار المبدئي لإقامة الجدار بأكمله، تمت المصادقة على المسار الخاص بالمرحلة (أ)، والذي يشتمل على مقطعين في شمالي القدس وجنوبها. ويمتد المقطع الشمالي على طول حوالي عشرة كيلومترات، من معسكر عوفر غرباً ولغاية حاجز قلنديا شرقاً. أمّا المقطع الجنوبي فهو يضمّ حوالي عشرة كيلومترات من شارع الأنفاق غرباً ولغاية مدينة بيت ساحور (جنوبي جبل أبو غنيم- هار حوما) شرقاً. وقد تم الانتهاء من إقامة هذين المقطعين في تموز/يوليو 2003.
2- في شهر أيلول/سبتمبر 2003، صادقت لجنة الوزراء للشؤون الأمنية على مسار الجدار في باقي المناطق حول القدس، باستثناء المقطع المحاذي لمستوطنة (معاليه أدوميم)، وهذا في إطار المصادقة على المراحل (ج) و(د) من الجدار بأكمله. وقد تناولت هذه المصادقة ثلاثة مقاطع ثانوية. المقطع الأول يمتد على طول 17 كيلومتراً، من الطرف الشرقي لمدينة بيت ساحور جنوباً ولغاية الطرف الشرقي لبلدة العيزرية شمالاً. المقطع الثاني طوله 14 كيلومتراً، ويمتد من الطرف الجنوبي لقرية عناتا وحتى حاجز قلنديا شمالاً. أمّا المقطع الثالث فقد تم بناؤه على امتداد 14 كيلومتراً ويحيط بخمس قرى من الناحية الشمالية الغربية للقدس (بير نبالا، الجويدة، الجيب، بيت حنينا البلد والنبي صموئيل) المحاذية للحدود البلدية. إنّ معظم المقاطع في هذا الجدار مبنية على شكل سور، علماً أنّ التقدم في أعمال الإقامة في هذه المقاطع ليس متماثلاً، حيث انتهى العمل في بعض المقاطع منذ مدة، بينما لم يبدأ العمل في بعض المناطق الأخرى.
3- في شهر شباط/فبراير 2005، وفي أعقاب قرار الحكم الصادر عن محكمة العدل العليا، في شهر حزيران/يونيو 2004، والذي شطب أحد مقاطع الجدار الفاصل تحت مبرر انعدام النسبية، صادقت الحكومة الصهيونية على المسار المُعدَّل للجدار الفاصل بأكمله. وقد اشتمل المسار المصحّح على عدد من التغييرات الملحوظة في مناطق مختلفة، غير أنّ المسار السابق في منطقة القدس بقِيَ إلى حدّ كبيرٍ على حاله، باستثناء إضافة حوالي أربعين كيلومتراً حول مستوطنة (معاليه أدوميم) والمستوطنات المحاذية لها (كفار أدوميم، عنتوت، نوفي برات وكيدار). ومع هذا، لم تصادقْ الحكومة على بدء العمل في هذا المقطع، واشترطت هذا بالحصول على (مصادقة قانونية إضافية) من المستوى السياسي.
إنّ المبدأ السائد في تحديد مسار الجدار في منطقة القدس هو الوصول إلى التّماس ما بين الجدار الفاصل وبين الخط الحدودي للبلدية. وقد تمّ تعريف منطقة نفوذ القدس مرة أخرى في العام 1967، بعد أن ضُمَّت إلى القدس مناطق إضافية من الضفة الغربية (حوالي 70.000 دونم) والتي تم ضمّها إلى الكيان الصهيوني. ويعيش اليوم في هذه المناطق -التي تم ضمها- حوالي 220,000 فلسطيني. لقد تم الحفاظ على مبدأ التماس مع الحدود البلدية، بصورة عامة، على امتداد المسار كله، باستثناء حالتين شاذتين وبارزتين: حي كفر عقب ومخيم اللاجئين شعفاط، وهما منطقتان سيتم فصلهما عن باقي أجزاء المدينة، على الرغم من وجودهما داخل منطقة نفوذ بلدية القدس.
على مقربة من حدود القدس يوجد عدد من المدن (من بينها رام الله وبيت لحم) والمدن الصغيرة التي يعيش بها مئات آلاف الفلسطينيّين المرتبطين بالقدس بطرق وأشكال متنوعة. وتمتاز هذه العلاقات بالقرب المتميّز خاصة بالنسبة للقرى والبلدات المحاذية للحدود الشرقية للقدس: الرام وضاحية البريد، حزمة، عناتا، العيزرية، أبو ديس، السواحرة الشرقية والشيخ سعد، والتي يعيش فيها أكثر من (100,000) مائة ألف مواطن. وترتبط هذه الضواحي، من خلال البناء الكامل والمتواصل، مع الأحياء الواقعة داخل مناطق نفوذ القدس، ولم تكنْ للحدود البلدية، على وجه التقريب، أية أبعاد وتأثيرات على واقع حياة السكان من الناحيتين، حتى الفترة الأخيرة. ومع أنّه كان يُطلب من سكان هذه الضواحي الذين يحملون هويات فلسطينية، التزوّد بتصاريح من أجل الدخول إلى شرقي القدس، غير أنّ معظمهم كان يدخل دون تصاريح، على سبيل العادة. إن تحديد مسار الجدار على طول خط الحدود البلدي يتجاهل بصورة فظة نسيج الحياة الذي تطور على مدار السنين ويهدد بتدميره بصورة تامة:
- على ضوء الصعوبات في العثور على سكن في شرقي القدس، وعلى مدار السنين، انتقل عشرات آلاف المواطنين للسكن في الضواحي. وما يزال هؤلاء يحتفظون ببطاقات الهوية الصهيونية ويحصلون على الكثير من الخدمات داخل المدينة.
- يدرس آلاف الأولاد الذين يقطنون في الضواحي ضمن جهاز التربية والتعليم في شرقي القدس، والكثير من الأولاد الذين يعيشون داخل مناطق نفوذ البلدية يدرسون في مدارس موجودة خارج مناطق نفوذ البلدية. وهناك أيضاً علاقات متبادلة، وإن كانت بمدى أقل، في مجال التعليم العالي.
- لا يوجد في الضواحي ولو مستشفى واحد. ويحصل معظم السكان على الخدمات الصحية في المستشفيات والعيادات الموجودة في شرقي القدس. النساء اللواتي يقطنّ في الضواحي يصلن بصورة دائمة تقريباً إلى مستشفيات القدس من أجل الولادة، حيث إنّ الوصول إلى مستشفيات بيت لحم ورام الله مرهون باجتياز حاجز معزز (حاجز الكونتينر وحاجز قلنديا، بالتناسب) وقد يستغرق الوصول وقتاً طويلاً.
- يتم تشغيل جزءٍ كبير من القوى العاملة من الضواحي في القدس (بجميع أجزائها). وتعتمد لقمة عيش أصحاب الحوانيت والمحال والمصانع على الزبائن الذين يأتون إلى القدس، وقد تم إغلاق الكثير من المحال التجارية منذ الشروع ببناء الجدار العازل.
- يرتبط سكان شرقي القدس بأواصر القربى والعلاقات الاجتماعية الوثيقة مع سكان الضفة الغربية عامة، ومع سكان البلدات المجاورة بصورة خاصة.
وتتفق الكثير من المؤسسات الحقوقية بالقول إنّ الاعتبار المركزي في اختيار مسار جدار الفصل هو الاعتبار السياسي لانعدام الاستعداد لدى الحكومة، لدفع الثمن السياسي المرتبط باختيار أيّ مسارٍ يظهر وكأنه مسّ بالأسطورة القائمة على أنّ (القدس الموحدة هي العاصمة الأبدية لإسرائيل).
القدس إلى أين؟
إنّ هذه الحقائق التي تناولها التقرير تقودنا إلى الوقوف وقفة نقدية موضوعية من السياسات الفلسطينية الرسمية اتجاه القدس منذ إطلاق مسيرة التسوية السياسية وإنجاز اتفاق أوسلو حينما أُبْقِيَت القدس بنداً مؤجلاً أو مرحّلاً لما يسمى بمفاوضات المرحلة النهائية التي لن تنطلق، ولن يُسمَح لها بالانطلاق، وإنْ انطلقت فستكون القدس حينها غير القدس التي نتحدث عنها اليوم وهو ما تسعى الدولة العبرية إلى فرضه.. قدس يشكّل فيها العرب أقلية قومية تعيش على هامش المجتمع المقدسي وفقاً للفهم الصهيوني للقدس.
قدس تُختصر لتكون مجرّد مكانٍ لممارسة الطقوس الدينية التعبدية فيه ليس أكثر.. هذا هو السيناريو المرسوم للقدس، لكن إلى أين سيكون المسار الفلسطيني في المستقبل القادم في ظلّ التغيرات الجديدة على الساحة الفلسطينية، سيبقى هو سؤال التحدي بل وسؤال الوجود من عدم الوجود للجميع؟
مواقع النشر (المفضلة)