عادت إلى مدينة تبوك الفتاة السعودية الهاربة من زوجها؛ لتنهي بذلك قصة غياب مرير، وكابوس مرعب لازمها وأسرتها طوال سبع سنوات، حينما اختفت من أحد الفنادق في العاصمة الأردنية عمان.
وطمأن صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان أمير منطقة تبوك والد الفتاة محمد الحويطي على سلامة ابنته، قائلا: «ابنتك كانت عند عائلة طيبة، ومحافظة وتؤدي فروضها وتصوم شهرها وتأكل من عرق جبينها».
وتم إيقاف الفتاة عائشة محمد الحويطي، ذات الـ26 عاما، بعد عودتها إلى المملكة في السجن العام في تبوك، لعدة أيام قبل نقلها للإقامة في دار الحماية الاجتماعية في تبوك استجابة لرغبتها في عدم العودة إلى منزل أسرتها خوفا من تعرضها للأذى.
ولم يصدق والد الفتاة خبر عودة عائشة، ولم يفق من صدمة الهروب، إلا بعدما رأى ابنته تقف أمامه مباشرة، لا يحيل بينهما سوى قضبان السجن، حينها بكى طويلا بهجة بعودتها، وألما كان قد صنعه لفلذة كبده دون أن يدري بأن الأمور ستؤول إلى ما آلت إليه، لكن الحياة دبت في عروقه من جديد، وانتعش قلبه المثخن بمبضع الجراح جراء سنين الغياب.
ووفقا لتقرير أعده الزميل أحمد العطوي ونشرته "عكاظ"، روت عائشة تفاصيل مثيرة حول ملابسات هروبها، وكيف استطاعت تدبير شؤونها، وتأمين لقمة عيشها، والعيش بكرامة وشرف،حتى عودتها إلى المملكة. وأكدت أن الموقف الإنساني النبيل لصاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان أمير منطقة تبوك من قضيتها، بدد مخاوفها وحرضها على العودة «يكفي أني في حماية فهد بن سلطان منذ دخولي إلى تبوك».
واعترفت عائشة أمس الأول، أن هروبها كان فادحا «لاشك إن مجرد التفكير في الهروب بالنسبة لأي فتاة، ولاسيما في مجتمعنا المحافظ خطأ كبير وهروبي من الفندق الذي كنت أسكنه مع زوجي كان قرارا فادحا لكنني أجبرت على ذلك».
وأضافت «أعتقد أن مشكلتي بدأت منذ وقت مبكر في محيط أسرتي، بسبب النظرة القاصرة إلينا نحن البنات من قبل الوالدين والأشقاء، وهي نظرة متفشية بكل أسف في مجتمعنا، ومن ذلك منعي وشقيقاتي من الخروج لقضاء مستلزماتنا الضرورية، وإجبارنا على الزواج».
تعثر دراسي
تقول عائشة الحويطي إنها أنهت دراستها في الثانوية العامة في العام 1422هـ، وتقدمت إلى فرع جامعة تبوك في ضباء لا لرغبة في الحصول على الشهادة الجامعية، بل من أجل الهروب من المشكلات الأسرية، وسجلت في الجامعة ليس حبا في إكمال تعليمي الجامعي، ولكن رغبة في الإقامة في سكن الطالبات المغتربات هربا من مشكلات البيت، فكنت أزور أسرتي مرة واحدة في الشهر».
وزادت «تعثرت في دراستي الجامعية في السنة الأولى، بسبب الحالة النفسية المتدهورة التي أعيشها، ولقناعتي أنني ما حضرت من تبوك إلى ضباء إلا للهروب من الظروف المحيطة ببيت الأسرة، ورغم تلك المشكلات كانت تراودني أحلام وطموحات في مواصلة دراستي الجامعية إما في مجال الإعلام نظرا لميولي منذ أن كنت في المرحلة الثانوية، حيث كنت أحظى بتشجيع المعلمات، وكنت مسؤولة عن الإذاعة المدرسية، وفي نفس الوقت كانت تنازعني الرغبة في أي مؤسسة أو جمعية تدافع عن حقوق المرأة».
زواج بالإكراه
وسردت الفتاة العائدة بمرارة رفض والدها وأشقائها كل المتقدمين للزواج منها بحجة أنهم من خارج محيط الأقارب «رفضوا كل من تقدم لخطبتي دون سبب مقنع سوى أنهم ليسوا من الأقارب، وأجبروني على الزواج ممن يريدون، لأنني لا أملك الشجاعة على الرفض».
تروي عائشة الحويطي قصة ارتباطها برجل لم ترغب به «تزوجت من أحد الأقارب رغما عني، ومن هنا بدأت رحلتي مع المصير المجهول، فلم أكن مستوعبة أن أعيش مع رجل قادوني إليه كما تقاد النعاج إلى مذبحها ولم يكن رفضي لهذا الزوج لعيب فيه كإنسان وزوج، لكن الزواج في الأساس رضا وقبول كما تعلمنا في حياتنا وديننا».
وفي النهاية رضخت للأمر الواقع، وسلمت بأن الأمر نافذ ولا رجعة عنه، وليس لي إلا ما اختاره الرجال، هكذا قالت عائشة وهي تجتر مرارة عجزها في تلك اللحظات» تم زواجي كما قرر له ، وبعد الزواج سافرت مع زوجي إلى مصر، ثم عدت معه بعد ذلك إلى محافظة حقل، وحينما طلبت منه إكمال دراستي الجامعية رفض ذلك، رغم أن هذا كان من ضمن شروط الزواج، لهذا فكرت في الطلاق منه، لكنني تراجعت عن ذلك خشية العودة إلى منزل والدي مرة أخرى.
قرار الهروب
وكشفت عائشة الحويطي عن قصة هروبها الذي زلزل أسرتها ، قائلة «اقنعت زوجي بالسفر إلى الأردن، وبعد أن وصلنا إلى أحد الفنادق في عمان، قررت الهروب، رتبت حقيبة السفر وفيها جواز سفري وذهبي ومبلغ من المال، انتهزت فرصة ذهابه للنوم، وخرجت بهدوء من الفندق، بعد أن تركت ورقة كتبت له فيها: لا أستطيع العيش معك، ولا التكيف معك، ولا أستطيع العودة إلى أهلي لأنهم سيعذبونني، ومن الأفضل أن تطلقني». وبعد أن أيقنت أنها وضعت قدميها في أول طريق لا تعلم إلى أين سيأخذها، لكن ذلك بالنسبة لها لا يهم، ما دام الهروب وحده هو الهدف، استقليت سيارة أجرة وهو رجل في الستينيات من العمر تتذكر اسمه جيدا، يدعى أبو عمر«طلبت منه أن يوصلني إلى عمان الشرقية، حتى أجد مسكنا يؤويني لبعض الوقت حيث علمت أن أسعار السكن مناسبة جدا لوضعي المادي، وأوصلني السائق إلى موقع للشقق المفروشة، واستأجرت شقة ليوم واحد، وطلبت من أبو عمر أن يساعدني في الحصول على سكن دائم، وفي اليوم التالي أبلغني أنه عثر على سكن وأبلغني أنه وجد شقة في حي «نزال» لدى أسرة أردنية، وأوصلني السائق إلى تلك العائلة، واستقبلتني صاحبة الدار أحسن استقبال، تدعى أم زهير، وسكنت في الطابق الأرضي، فعمدت إلى تغيير مفاتيح باب الشقة حتى أكون مطمئنة على نفسي، واحتضنتني تلك الأسرة، وتطورت علاقتي مع صاحبة الشقة وبناتها من الشفقة والرأفة بي بعد أن عرفوا حكايتي كاملة إلى حب كبير، حتى أنني كنت في السنة الأولى أنام معهن في منزلهن، ولم يحدث خلال مدة إقامتي معهن أن واحدة منهن جرحتني بكلمة واحدة».
تأمين لقمة العيش
بدأت عائشة تفتش عن عمل هنا وهناك يؤمن لها لقمة العيش، فعملت في محل لبيع الأعشاب في ذات الحي الذي تقطنه، ثم انتقلت إلى العمل بعد ذلك في مكتب لخدمات الحج والعمرة، وفي ذات الوقت التحقت بدورة للحاسب الآلي، ومن ثم عملت في عيادة طبية، وأخيرا عملت في محل لبيع الأواني المنزلية، كانت تكتفي في معظم الأيام بالساندويتش والماء، وتذهب إلى عملها على قدميها بهدف توفير قيمة إيجار مسكنها. وتوضح عائشة أنها خلال السنوات الأربع من هروبها كانت تتواصل مع إحدى شقيقاتها عبر الهاتف، وبعد أن تغير هاتف شقيقتها انقطع التواصل لمدة ثلاث سنوات، لكنها مصرة على مواصلة الطريق الذي اختارته لنفسها، غير مكترثة بالنتائج.
رحلة العودة
لم يدر بخلدها أن أمر تجديد جواز سفرها سيقودها إلى العودة إلى تبوك، وعن ذلك تقول «تقدم لخطبتي شاب أردني يعمل في مدينة الدمام عن طريق شقيقته المعلمة في الدمام أيضا، وقد أطلعته على معاناتي وهروبي، فأقنعني بضرورة العودة إلى المملكة، مشددا على أن هروبي ليس حلا، لكنني رفضت ذلك خوفا من أسرتي، فقال لي «ليس لك ملجأ بعد الله إلا الأمير فهد بن سلطان أمير منطقة تبوك ليحل مشكلتك»، وطلب مني الاتصال بمواطن سعودي لمساعدتي في إنهاء وضعي، واتصلت به، وأبدى استعداده لمساعدتي، على أن يساعدني في البداية على تجديد جواز سفري، وجلب ورقة طلاقي، حيث إن قريبي طلقني بعد الزواج بثلاثة أشهر، ولكن بسبب غيابي لم أتسلمها». وتسهب عائشة في سرد تفاصيل العودة «بدأت نهاية قصة الهروب حينما طلب المواطن مقابلتي لأخذ جواز سفري المنتهي لغرض التجديد، وفعلا ذهبت إليه برفقة ابنة صاحب الشقة التي أسكنها، وسلمته الجواز، فاتصل بي بعد نحو أسبوع، وأبلغني هاتفيا أنه تم تجديد الجواز ، وطلب مني مرة ثانية الحضور إليه لاستلام الجواز، ولم أكن أعلم أن ذلك كمينا لإلقاء القبض علي من قبل الأمن الأردني بمعرفة السفارة السعودية في عمان، وتم القبض علي، والتحقيق معي، وإحالتي إلى السجن، وتم عرضي بعد ذلك على نائب محافظ عمان، وحضرت واستمع إلى أقوالي، كما حضر في السجن موظفات وموظفين من السفارة السعودية، وعرضوا علي المساعدة، والعودة إلى وطني، وأخيرا استجبت لذلك وعدت إلى المملكة، وبعد وصولي مباشرة أوقفت في السجن العام، واليوم أنا في دار الحماية الاجتماعية».
شكرا فهد بن سلطان
وعبرت عائشة الحويطي عن عظيم شكرها وامتنانها للأمير فهد بن سلطان «الحمد لله رب العالمين، عدت إلى وطني، وقد أحاطني الأمير الشهم برعاية واهتمام، وبدد بموقفه النبيل كل مخاوفي السابقة، وخفف من وطأة الاغتراب، ورحلة المعاناة ويكفي أني الآن في حماية فهد بن سلطان، منذ وصولي إلى تبوك وحتى اليوم». ودعت عائشة على أخذ العبرة منها «على الرجال أن يتقوا الله في النساء، وأن لا يرغموا بناتهم وأخواتهم على الزواج دون موافقتهن، وأن يتركوا لهن الفرصة للحوار، وسماع همومهن حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه».
وشكرت فتاة تبوك العائدة، الإخصائي الاجتماعي في مكتب المتابعة الاجتماعية، محمد حمير البلوي على ما قدمه لها وللنزيلات كافة، من عون ومساعدة، والإخصائية الاجتماعية في المكتب آمنة أبو طالب، على اهتمامها البالغ، وتأمين العمل لها، إضافة إلى شكرها خالها إبراهيم، وكيلها من قبل والديها.
ندم الأب
وأعلن محمد عيد الحويطي والد الفتاة العائدة ندمه على الألم والمعاناة التي تعرضت لها ابنته عائشة على مدى سبع سنوات. وقال الحويطي«الحمد لله على عودة عائشة بصحة وسلامة وعفاف، ومن خلالكم أعلن ندمي الشديد على كل ما واجهته ابنتي وأسرتي من ألم ومعاناة.
وأوضح أن تفاصيل رحلة الألم بدأت في شهر رجب من عام 1424 هـ بعد أن زوج ابنته من قريبها، حتى تلقى الخبر المفجع باختفائها في الأردن، وعودة زوجها إلى محافظة حقل وحيدا» بعد أن بلغني الخبر سافرت إلى الأردن، وبقيت هناك لمدة شهرين أبحث عن عائشة في كل مكان، في المدن، القرى، في المنافذ، وذهبت إلى السفارة السعودية، وزارة الداخلية الأردنية، ساعدوني في عملية البحث، ولكن دون جدوى، حتى وصل الأمر إلى نبش القبور، وأخذ التحليل مني ومن الجثة». ووصف لقاؤه لأول مرة بابنته عائشة بعد عودتها قائلا:
كان اللقاء لا يوصف، زرتها ومعي والدتها في السجن العام، وحينما شاهدتها من خلف السياج لم اتمالك نفسي، وكان البكاء سيد الموقف.
وأكد الحويطي، أن كلمات الأمير فهد بن سلطان نزلت عليه بردا وسلاما حينما قال لي عندما تشرفت بلقائه: ابنتك كانت عند عائلة طيبة، ومحافظة وتؤدي فروضها وتصوم شهرها وتأكل من عرق جبينها»، كما بثت كلمات المحققين في قلبه المزيد من الطمأنينة «أبنتك طاهرة، وها هي عادت كما خرجت من بيتك».
مواقع النشر (المفضلة)