يشكل النمط الإستهلاكي الاستثنائي للمواطن الأردني خلال شهر رمضان، واحدة من ابرز ملامح الحراك الاجتماعي والاقتصادي خلال الشهر الفضيل الذي لا تفصلنا عنه سوى ساعات قليلة، فالكثير منا ينظر الى هذه الأيام المباركة على أنها فرصة للتهافت على الأسواق والتزود بالسلع/التي نحتاجها او لا نحتاجها/،وكأن الموضوع لا يعني بمجمله سوى /نزعة/ مرعبة، لدى العديد من شرائح مجتمعنا نحو التسوق الفائض عن الحاجة والتبضع المفرط ،دون إدراك لتبعات/فوضى السوق/ الناتجة عن هذه السلوكيات المبالغ فيها.
الحقيقة الأولى التي ينبغي على كل منا التنبه لها، هي أن التغيير المفاجئ في أنماط الاستهلاك تجاه سلع معينة،يؤدي /بلا شك/ الى رفع أسعارها في الأسواق، كنتيجة طبيعية لنظرية اقتصادية تقول أن /ازدياد الطلب على سلعة ما يؤدي الى اختفائها من الأسواق وبالتالي رفع سعرها/،وهذا ما حصل في مواسم رمضانية سابقة،ونتمنى ان نصل الى مرحلة من الوعي /كمستهلكين/ تجنبنا التهافت غير المبرر على سلع معينة، لأن النتيجة ستكون معروفة سلفا.
الأمر الثاني الذي لا بد من التذكير به، أن أسواق المؤسستين المدنية والعسكرية اللتين إزداد الإقبال عليهما منذ بداية العام الحالي، أصبحتا تتحملان العبء الأكبر،في منظومة استهلاك السلع والبضائع محليا،لجهة ضبط السوق،كما اصبحتا /الخيار الآمن/ للمواطنين أمام ارتفاع السلع في الأسواق العادية،وهما تلعبان حاليا دور وزارة التموين التي ألغيت منذ عدة سنوات،من خلال تحديد أسعار سلع تموينية رئيسية مثل الأرز والسكر والحليب ومنتجات أساسية أخرى،الأمر الذي أجبر تجار السوق الحر على عدم المغالاة في رفع أسعار المواد التموينية/رغم وجود حالات فردية/،كما استدعى الموقف هؤلاء للعودة الى /التنافس/ في تقديم العروض المغرية للسلع والبضائع،وهذا هو الهدف من تحرير السوق،أي كسر الاحتكار،وتشجيع المنافسة لتقديم أفضل الأسعار للسلع والمواد التموينية.
يرى البعض ان الحكومة بحكم امكاناتها ودورها التشريعي والرقابي، مسؤولة بشكل مباشر عن تسعير المنتجات الغذائية الأساسية، ووقف حالة /الجشع/ الموجودة لدى بعض التجار،من خلال توفير أسواق شعبية تبيع بأسعار معقولة،وقد خصصت الحكومة كإجراء احترازي استباقي ،مبلغ 400 ألف دينار لغايات إنشاء هذه الأسواق الشعبية والموازية خلال شهر رمضان المبارك،وأصبح لدى الجهات المعنية خبرة لا بأس بها في إدارة هذه الأسواق من خلال تطبيق هذه التجربة في شهر رمضان الماضي،كما ساهمت هذه الأسواق في الحد من إرتفاع الأسعار،ومنع الإحتكار والأهم من ذلك كله إنصاف المزارع الأردني الذي بقي الخاسر الأكبر،والضحية الأولى للسماسرة والوسطاء والتجار.
بالمقابل،وأمام الإجراءات الحكومية الاحترازية لا تزال أطراف المعادلة الاقتصادية الأخرى بعيدة كل البعد عن تحمل مسؤولياتها وعما يجب فعله،قبل الدخول الىمعمعة الأسواق في رمضان، فبعض التجار لا يزال يبحث عن أقصر وأسهل الطرق لتحقيق أرباح قياسية، في موسم رمضان،كما أن المواطن لا يتردد في التهافت على الأسواق التجارية، وشراء المواد الغذائية بزيادة عن الحاجة،وقد رأينا تهافت المواطنين على شراء اللحوم المستوردة من سوريا في الأيام الأخيرة في أسواق المؤسسة الاستهلاكية المدنية ،رغم ان سعر اللحم البلدي حاليا لا يتجاوز سعره المستورد،إن لم يقل عن ذلك.
الأصل ان يكون شهر رمضان شهرا للعبادة والعمل والتقرب الى الله، لكننا في هذه الأيام أبعد ما نكون عن ذلك، فكما تنزع الغالبية العظمى منا الى ربط الشهر الفضيل،بالاستهلاك والإنفاق الزائد عن الحاجة،يعمد الكثير منا الى إهمال العمل،وخفض الإنتاجية واختصار ساعات الدوام بحجة الصوم،وهنا أصبح لزاما على مؤسساتنا العامة،ضبط هذه المسألة من خلال تشديد الرقابة على الدوام ورفع مستوى الإنجاز،وتقديم الحوافز للموظفين المتميزين،خاصة وان فترة الصيام ستكون طويلة،كما ان الشهر الفضيل يجيء في فصل الصيف الحار نسبيا هذا العام،وهو ما يتطلب من الجميع التحلي بالصبر وضبط النفس والانشغال بالعمل والإنجاز،فشهر رمضان أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتقُ من النار .
الله يكون بعون المواطن ..........
مواقع النشر (المفضلة)