قطرميز الطحينة
عادة لا يكترث الأردنيون بالأرقام الإحصائية، ولا بالتقارير الصادرة عن البنك الدولي عند التدليل على التضخم..بقدر ما ينشغلون بذلك الارتفاع المضاعف الذي طرأ على سلعة غير ''محترمة'' في العرف الشعبي.
على سبيل المثال ، قبل شهور اتّخذ ''قطرميز الطحينة'' مؤشّراً مهمّاً ومثالاً دارجاً على ألسنة الناس عند الحديث عن الغلاء.
لم يبق قطاع ولا مجلس ولا هيئة ولا نقابة ولا مؤسسة ولا مناسبة في البلد إلا وتمّ فيها الحديث عن قطرميز الطحينة ''ملعون الحرسي''.
المقاول الذي يطوي فاتورة الشراء في جيبه شاكياً باكياً متأففاً من ارتفاع سعر الحديد ، كان يتم ''التكسير'' عليه من قبل أحد الجالسين ''بقطرميز'' الطحينة..قائلاً ''إذا قطرميز الطحينة ارتفع.. بدكيش الحديد يرتفع ''.
في ''جاهات الأعراس'' ايضاَ، وبعد إن ينهض كبير العشيرة العباءة عن كتفيه ، ويبدأ بمراسيم الخطبة ،وقراءة ما تيسّر له من جمل ''توافقية'' متواترة تقال عادة في هذه المناسبة من بينها '' نحط زيتاتنا على طحيناتكو''..حتى يفتتح موضوعاً مشتركاً بين الحاضرين الا وهو ''قطرميز الطحينة''.
في الشهور الماضية ، حتى في المكالمات التي تتسم بالعاطفية والحنان كان يقفز ''قطرميز'' الطحينة بين ثنايا الحديث فجأة دون مقدمات ،فقد تسمع أُمّاً تبوح لابنها المغترب في مكالمته الأسبوعية عن شوقها له و''ان الدار '' بدونه لا شيء ،وأن الغربة طالت كثيراً ،ثم تشرح له مباشرة وبدون فواصل عن ''قطرميز الطحينة أبو الليرة وصل '' الى "3.75" .
الآن وبعد مرور 6شهور ، استوعبت الناس فكرة تحرير ''الطحينة'' كما استوعبت فكرة تحرير البترول، وبدأت تتقبّل الارتفاعات بمنتهى السلاسة والصبر والرضى.
المشكلة الجديدة الآن تكمن في العدس، فقد وصل سعر الكيلو منه الى دينارين..مما يعني أننا أمام ''مضرب مثل'' جديد للغلاء والتضخّم ..حيث ستحتل هذه السلعة ''الأقل حظّاً'' حديث المجالس والصحافة والمناسبات العامة...و''سيمسح بها الأرض'' على ارتفاع سعرها ، وستنال من كلمات توبيخية ما لم تنله منذ اختراع النار : '' اخص يا العدس..الله يقطع العدس..عمره لا يتّاكل،بموت منّه خلقه ، ما ظل غير العدس...والله لو ببلاش ما بشتريه''.
كُل المحبة لكاتبنا المبدع أحمد حسن الزعبي ...
مواقع النشر (المفضلة)