وصف وزير الخارجية الأسبق د. كامل أبو جابري اللقاء الثلاثي الأخير في نيويورك الذي جمع الرئيس الامريكي باراك اوباما مع رئيس السلطة محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بالجيد في ظل العجز العربي وعدم وجود عالم عربي داعم للفلسطينيي. وقال في حوار مع العرب اليوم: إن أمل الفلسطينيين الوحيد هذه الأيام هو إقناع أمريكا بالضغط على إسرائيل. ولكن د. ابو جابر استدرك بالقول انه لم يقرأ أن هناك خطة للرئيس اوباما فعلا. سوى انه أرسل ميتشل إلى المنطقة ليراوح مكانه شأنه شأن المبعوثين الدوليين الآخرين ولذلك يحق لنا التساؤل أين هي الخطة? وفيما يلي نص الحوار: * كيف تنظر إلى اللقاء الثلاثي الأخير في نيويورك الذي ضم الرئيس اوباما ورئيس السلطة محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو? - في ضوء فشل جولة المبعوث الأمريكي جورج ميتشل الأخيرة قبل أيام وعودته إلى أمريكا خالي الوفاض كان لا بد من احدهم أن يفعل شيئا لإنقاذ الموقف وأكثر المؤهلين لذلك هو الرئيس اوباما خاصة وان الأجواء توفرت في الأمم المتحدة, وعلى العموم فان اللقاء مع اوباما بحد ذاته جيد بالنسبة للفلسطينيين في ضوء العجز العربي وعدم وجود عالم عربي داعم لهم حيث أن أمل الفلسطينيين الوحيد هذه الأيام هو إقناع أمريكا بالضغط على إسرائيل. كما هو واضح فان عباس لا يمتلك أي وسيلة ضغط على إسرائيل سوى اوباما الذي يتكلم جيدا وقال بعد اللقاء أنه ضد الاستعمار الاستيطاني وعليه فان اللقاء هو لمصلحة الفلسطينيين على الأقل في المرحلة الراهنة والسؤال المطروح هو: هل سيترتب على هذا اللقاء شيء? لا احد يعلم ولا أرى هناك أي بصيص من الأمل في ظل حكومة الليكود وحزب إسرائيل بيتنا والعجز العربي وعجز الوسيط الأمريكي عن فرض شيء على إسرائيل. * كيف تنظر إلى السياسة الأمريكية في ظل الرئيس اوباما بعد تسعة أشهر من توليه الحكم? - استبشرالجميع خيرا بمجيء الرئيس اوباما وبالذات في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي وأهل الأردن وفلسطين على وجه الخصوص كونه اسود ويشعر مع الشعوب الملونة المضطهدة في العالم وكذلك لأن أصوله إسلامية واسمه باراك حسين اوباما حيث أن بعض افراد عائلته لا يزالون يعيشون في كينيا وهم مسلمون ولعل من المفيد التنويه أن اسم باراك مشتق من اللغة السواحلية وأصل الكلمة عربي ومعناها البركة. أصر الرئيس اوباما في أسبوعه الأول على تعيين السيناتور جورج ميتشل مبعوثا خاصا له, وللتذكير فان والدة ميتشيل عربية من سورية, ورغم ترحيبي شخصيا بالرئيس اوباما وأنه بدأ عهدا جديدا بكلماته الطيبة ليس في القاهرة فحسب بل ما سبق وتبع من كلام جيد عن رغبته بنوع من الاحترام بين الحضارتين العربية والغربية فأنني أدعو إلى متابعة ذلك عربيا وإسلاميا لإبقاء الصلات الحسنة بين اوباما والعالمين العربي والإسلامي. ورغم ذلك فان سياسة اوباما تجاه العالم اجمع ما هي إلا امتداد للسياسات الأمريكية السابقة بمعنى انه يتبع سياسة أسلافه من الرؤساء الأمريكيين السابقين منذ الحرب العالمية الثانية بدءا من أوروبا مرورا بالصين وروسيا والهند وانتهاء بالشرق الأوسط, وان حدث بعض التغيير فعلى المستوى النظري فقط. هناك دلائل تفيد بأنه لن يستبدل سياسته في المستقبل المنظور رغم التوقعات والآمال التي نحلم بها, لا شك أن العالم الغربي ومنذ الحرب العالمية الأولى يتبع سياسة عدم الاستقرار المنضبط (العنف المنضبط), أي انه وفي حال تفجر العنف في مكان ما وفي لحظة ما أن يكون في حدود المعقول ويمكن السيطرة عليه وأن لا يهدد المصالح الغربية وإسرائيل بشكل جذري وفعال انطلاقا من وعد بلفور واتفاقية سايكس بيكو, وبخصوص القضية الفلسطينية فان جورج ميتشل لم ينجح في خلق اختراق على فحوى وشكل السياسة الأمريكية. تراجع اوباما عن خطته * ما أسباب تراجع اوباما عن خطته? - إذا صح أن لديه خطة فقد مضى عليه نحو تسعة أشهر في الحكم إلا إنني لم اقرأ أن هناك خطة فعلا. سوى انه أرسل ميتشل إلى المنطقة ليراوح مكانه شأنه شأن المبعوثين الدوليين الآخرين ولذلك يحق لنا التساؤل أين هي الخطة? وها هو نتنياهو يعلنها على رؤوس الأشهاد انه يرفض تجميد الاستعمار الاستيطاني ومع ذلك كوفئ بمقابلة الرئيس اوباما وفرض على الرئيس الفلسطيني محمود عباس الجلوس معه وكأن هناك شيئا يمكن الحديث بشأنه. جولة ميتشل الأخيرة * ما قراءتك لنتائج جولة ميتشل الأخيرة? - شأنها شأن الجولات السابقة وحظ ميتشل كما قلت لن يكون أفضل حالا من سابقيه. فالإسرائيليون لا يقيمون وزنا لأحد من منطلق عقيدتهم الاستعلائية المتغطرسة تجاه العالم ككل, وهم الذين قسموا العالم قديما إلى قسمين: يهود وغوييم, وهم يعتبرون العالم (الغوييم) شبه ضال ووجهوا لهم اهانات كبيرة كما أن ميتشل لن ينجز شيئا بسبب آخر وهو عدم وجود نوايا أمريكية حقيقية بالضغط على إسرائيل من اجل إجبارها على التنازل إضافة أن من يحكم إسرائيل حاليا هو حزب ليكودي يميني متطرف يشاركه حزب يميني أخر هو حزب إسرائيل بيتنا الروسي الذي يترأسه المتطرف والعنصري افيغدور ليبرمان الذي ينظر إلى العالم كله باحتقار. هناك ملاحظة اخرى, وهي أن إسرائيل ومنذ احتلالها للضفة الفلسطينية عام ,1967 تعتقد انها حلت المشكلة الفلسطينية على صعيد الأرض, بمعنى انها باتت تمتلك كامل ارض فلسطين, وتدعي بأنها لها, لكنها حائرة بالسكان الفلسطينيين وماذا ستفعل بهم. لذلك نراها حاليا تراوغ وتسوف لتطويع العرب, وهناك تهويد كامل للأرض الفلسطينية. لذلك لا غرابة على نتنياهو من هذا الموقف فهو يسير على خطى جابوتنسكي وبيغين وشامير وغيرهم. والأهم من ذلك أننا كعرب فشلنا في الحرب وفي السلام معا, وبالتالي لا يوجد هناك ما يفرض على إسرائيل التنازل, كما أن الدول لا تستحي وتعمل من اجل مصالحها, وان لم يفرض على اي دولة من طرف آخر ما يجبرها على حل وسط, فلن تقدم شيئا. وكما هو معروف, فان إسرائيل تؤمن بان القوة تفرض الواقع, وان الواقع يصبح حقيقة تتغلغل في نفوس الجميع, كل ذلك لأن العرب غير موجودين عسكريا وسياسيا واقتصاديا وهم فقدوا وزنهم وأصبحت أموالهم أداة ضغط عليهم. اختزال القضية بالمستعمرات * هل يجوز اختزال القضية الفلسطينية بالاستعمار الاستيطاني? - يجب التذكير أن حزبي الليكود وإسرائيل بيتنا انتخبا على أساس الاستمرار في الاستعمار الاستيطاني وهذه عقيدة عند غالبية الإسرائيليين اليهود الذين يقفون خلف نتنياهو وليبرمان وباراك, ولا قناعة لديهم أن هناك حاجة لتقديم اي تنازلات, فهم يعتقدون أن الأرض لهم. المستعمرات مقابل ضرب إيران * هناك من يقول أن نتنياهو يساوم اوباما على تجميد البناء في المستعمرات مقابل ضرب إيران, ما وجه الدقة في ذلك? - قد يكون هذا الأمر صحيحا, فالعلاقة الأمريكية - الإسرائيلية لم تعد طفيلية تشبه العلاقة بين القرادة والبقرة, ولكل منهما شخصية وفكر ورغبات مستقلة, وهذه العلاقة عضوية يستحيل القول فيها: من يحرك من? فأول عمل قام به اوباما هو تعيين عمانويل رام مستشارا رئيسيا له في البيت الأبيض يراه صباح كل يوم حتى قبل أن يرى زوجته, وهو عسكري سابق في الجيش الإسرائيلي ويحمل الجنسية الإسرائيلية وأبوه من غلاة المتشددين الليكوديين, وأستطيع القول أن عمانويل هو السطر الأول في كتاب اوباما. وبناء عليه أقول لا حاجة لإسرائيل طلب السماح من أمريكا لضرب إيران, وان نفذت رغبتها دون موافقة البيت الأبيض, فان الصهيونية العالمية كفيلة بإصلاح الأمور بين الجانبين. نذر الحرب والبوارج الأمريكية * منذ فترة ونحن نرى البوارج الحربية الأمريكية, وهي تدخل الموانئ الإسرائيلية, هل هذا يعني أن نذر الحرب تخيم على المنطقة? - بوارج الحرب الأمريكية تتواجد في البحر المتوسط منذ القدم, ودخولها أو خروجها من الموانئ الإسرائيلية أمر طبيعي. وهناك رأيان حول الحرب, الأول يقول أن الحرب واقعة لا محالة لأنها من مصلحة إسرائيل, فيما يقول الرأي الثاني أن الحرب تضر بالمصالح الإسرائيلية. وهناك حفنة من المحللين يقولون أنه لا حاجة للحرب لأن إيران ستطوع بدون حرب, وأنا شخصيا لا استبعد الحرب لأن الليكود متزمت وهم يعتقدون أن الشرق الأوسط من نصيبهم ولن يسمحوا لأحد أن يشاركهم فيه, وان ظهرت قوة أخرى فان لهم الحق بالوصول إليها وكسر ظهرها. * ما قراءتك لتداعيات هذه الحرب ان وقعت? - كما قلت فان الغرب عموما يمارس سياسة العنف المنضبط, ولذلك فان أي حرب قد تنشب بين إيران أو غيرها, فان الغرب سيعمل على إبقاء الوضع تحت السيطرة, انطلاقا من وجوده في أفغانستان والعراق وفي بحر العرب ومضيق هرمز ويحيط بإيران من كل النوافذ, ناهيك عن عدم وجود أصدقاء لإيران في محيط الجوار والغرب. تهويد القدس * تهويد القدس ماذا يعني? - أنهم يريدون دولة يهودية خالصة, وهذا كلامهم منذ إنشاء إسرائيل, وقد قال حاييم وايزمن في عشرينيات القرن المنصرم أنه يريد دولة يهودية نقية كما هي بريطانيا دولة انجليزية. * لماذا يصرون على العرب والمسلمين للتطبيع مع إسرائيل? - التطبيع, يعني الترويض, وهنا أتساءل: من يروض من.. السايس أم الحصان ليتوافقا مع بعضهما البعض? وللتطبيع طريقان على الأمد الطويل وعلى ضوء العجز العربي والاستعلاءالإسرائيلي والتحكم بكامل فلسطين ناهيك عن الهيمنة العسكرية على المنطقة, بحيث أن المفاوضات الآن تجري بين أمريكا وإسرائيل على فلسطين وكأن الفلسطينيين غير موجودين, وبين أمريكا وإيران على العراق وكأن العراقيين غير موجودين. كما هو معروف, فان الشعب الفلسطيني تحت السيطرة الإسرائيلية, والسؤال هنا: من يطبع من? وماذا فعل العرب للشعب الفلسطيني ليرفض التطبيع مع إسرائيل? علما أن التطبيع يبدأ في لحظة ما وفي مكان ما. وهناك سؤال آخر: هل التطبيع خطر اكبر على العرب أم على إسرائيل? تطالب منظمة التحرير الفلسطينية في ميثاقها بدولة ديمقراطية علمانية واحدة, ولذلك هل التطبيع على المدى الطويل في ظل القنبلة الفلسطينية مصلحة لإسرائيل أم للعرب, علينا دراسة ذلك بشكل معمق وليس كردة فعل. 0
تفاصيل الخبر هنا...
مواقع النشر (المفضلة)