ينبغي أن يُعلم أن حياة المسلم كلها عبادة لله عز وجل وليس هناك
يوم خاص للعبادة ، فالمسلم في عبادة لله في كل وقت ، ولكن هناك
يوم اختص الله به هذه الأمة ، أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
وفضَّله الله على سائر أيام الأسبوع وهو يوم الجمعة.
يقول ابن كثير فى تفسيره :إِنَّمَا سُمِّيَتْ الْجُمُعَة جُمْعَة لِأَنَّهَا مُشْتَقَّة مِنْ
الْجَمْع فَإِنَّ أَهْل الاسْلام يَجْتَمِعُونَ فِيهِ فِي كُلّ أُسْبُوع مَرَّة، وَفِيهِ كَمُلَ
جَمِيع الْخَلائِق فَإِنَّهُ الْيَوْم السَّادِس مِنْ السِّتَّة الَّتِي خَلَقَ اللَّه فِيهَا
السَّمَاوَات وَالأرْض ، وَفِيهِ خُلِقَ آدَم وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّة وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا
، وَفِيهِ تَقُوم السَّاعَة .
وَفِيهِ سَاعَة لَا يُوَافِقهَا عَبْد مُؤْمِن يَسْأَل فِيهَا اللَّه خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ
كَمَا ثَبَتَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيث الصِّحَاح .وَقَدْ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالِاجْتِمَاعِ
لِعِبَادَتِهِ يَوْم الْجُمُعَة فَقَالَ تَعَالَى:{يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ
مِنْ يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
تعلمون } (الجمعة 9) أَيْ اقْصُدُوا وَاعْمِدُوا وَاهْتَمُّوا فِي السعى إِلَيْهَا
وَلَيْسَ الْمُرَاد بِالسَّعْيِ هَاهُنَا الْمَشْي السَّرِيع وَإِنَّمَا هُوَ الِاهْتِمَام بِهَا
كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَة وَسَعَى لَهَا سَعْيهَا وَهُوَ مُؤْمِن}.
وَقَوْله تَعَالَى" إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة " الْمُرَاد بِهَذَا النِّدَاء
هُوَ النِّدَاء الثَّانِي الَّذِي كَانَ يُفْعَل بَيْن يَدَيْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَر ، فَإِنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ يُؤَذَّنُ بَيْن يَدَيْهِ
فَهَذَا هُوَ الْمُرَاد
فَأَمَّا النِّدَاء الْأَوَّل الَّذِي زَادَهُ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه
عَنْهُ فَإِنَّمَا كَانَ هَذَا لِكَثْرَةِ النَّاس - كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ - فَأَمَرَ عُثْمَان
رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنْ يُنَادَى قَبْل خُرُوج الْإِمَام حَتَّى يَجْتَمِع النَّاس . وَإِنَّمَا
يُؤْمَر بِحُضُورِ الْجُمُعَة الرِّجَال الْأَحْرَار دُون الْعَبِيد وَالنِّسَاء وَالصِّبْيَان
وَيُعْذَر الْمُسَافِر وَالْمَرِيض . وَقَوْله تَعَالَى " وَذَرُوا الْبَيْع " أَيْ اِسْعَوْا إِلَى
ذِكْرِ اللَّه وَاتْرُكُوا الْبَيْع إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ وَلِهَذَا اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء رَضِيَ اللَّه
عَنْهُمْ عَلَى تَحْرِيم الْبَيْع بَعْد النِّدَاء الثَّانِي وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَصِحّ إِذَا تَعَاطَاهُ
مُتَعَاطٍ أَمْ لا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ وَظَاهِر الْآيَة عَدَم الصِّحَّة وَاَللَّه أَعْلَم. وَكَانَ
عُمَر بْن الْخَطَّاب وَابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا يَقْرَآنِهَا :{ فَامْضُوا إِلَى
ذِكْر اللَّه} . فَأَمَّا الْمَشْي السَّرِيع إِلَى الصَّلَاة فَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ لِمَا أَخْرَجَاهُ
فِي الصَّحِيحَيْنِ .
مواقع النشر (المفضلة)