قال جلالة الملك عبد الله الثاني إن فرص تحقيق السلام في المنطقة ستتضاءل بشكل كبير إذا لم يتم البدء بمحادثات جادة وفاعلة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، محذرا من أن استمرار الوضع القائم يقوض فرص قيام الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة، ما سيجعل المنطقة رهينة للصراع والعنف لعقود طويلة. وأكد جلالته، خلال تحدثه بجلسة حوارية في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس أواخر الشهر الماضي بثت محطة "CNN" التي كان لها حق البث الأول مقتطفات منها أول من أمس وبثها التلفزيون الأردني مساء أمس، أن الأوضاع في المنطقة ستزداد سوءًا إذا لم يتم إحراز تقدم حقيقي نحو حل الدولتين، لأن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع في المنطقة.
وقال جلالته، في الجلسة التي أدارها الإعلامي في شبكة CNN فريد زكريا، إنه إذا ما تم التوصل لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في سياق إقليمي شامل ستحل العديد من الملفات الساخنة في المنطقة.
ورفض جلالة الملك أي طرح بقيام الأردن بدور في الضفة الغربية، مؤكداً أن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة على التراب الوطني الفلسطيني هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار.
وشدد جلالته على رفض الأردن للخيار العسكري في التعامل مع إيران، داعيا إلى التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة.
وأكد جلالته حق جميع الدول في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية، وعلى ضرورة التعامل بشفافية مع جميع الملفات النووية في المنطقة بما في ذلك الملف النووي الإسرائيلي.
ولفت جلالته إلى أن العالم العربي والإسلامي يواجه مجموعات إرهابية تحاول تشويه الصورة الحقيقية للدين الإسلامي الحنيف وقيمه السمحة.
وأكد أنه "إذا شعرنا أن هناك من يستهدف الأردن فإننا سنستهدفهم. ورسالتي واضحة: طالما تحاولون إيذاء المواطنين في بلدي، فلنا الحق في حماية أنفسنا".
وأشار جلالته إلى الجهود التي يقوم بها الأردن لإظهار الصورة الحقة للدين الإسلامي الحنيف، ومواجهة من يريدون اختطاف الإسلام وقيمه السمحة. وأوضح جلالة الملك أن الأردن ماض في مسيرته الإصلاحية التحديثية، مؤكدا ثقته بقدرة الأردنيين على بناء المستقبل الأفضل.
ولفت جلالته إلى الانتخابات النيابية المقبلة وإلى مشروع اللامركزية الهادف إلى زيادة مشاركة المواطنين في صناعة مستقبلهم.
وفي ما يلي مقتطفات رئيسة من الجلسة:
• أنت تعيش في واحدة من أكثر المناطق أهمية في العالم، وأكثرها خطورة، منطقة أدت إلى الكثير من الإحباط في بقية العالم، ما أقصده، هو أن هناك مقولة تستخدم في نيويورك مفادها "لم يخسر أحد أبدا في المراهنة ضد عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية"، وهي سخرية سيئة تعني أننا نستمر في مناقشة هذه العملية ومع هذا يبدو أن شيئا لا يتغير، هل هناك الآن ما يجعلك متفائلا أو متشائما بأننا وصلنا إلى لحظة قد يتغير فيها شيء؟
- في الحقيقة، ربما تكون هذه هي المرة الأولى التي أكون فيها متشائما بعض الشيء، وكما نعلم جميعاً، فإن القضية الجوهرية في المنطقة هي القضية الإسرائيلية الفلسطينية -وكما قلت أنتَ- هي مستمرة منذ عدة عقود وكان هناك الكثير من المعاناة والإحباط ومن الممكن أن تزداد الأوضاع سوءاً إذا لم نحل هذه المشكلة.
وكما قلت أنت، فجميعنا في المجتمع الدولي محبطون، ويجب هنا فهم ترابط الأمور، فجميعنا في المجتمع الدولي ندفع ثمن عدم حل هذه القضية.
ما نقوم به الآن هو العمل من أجل جمع الإسرائيليين والفلسطينيين حول طاولة المفاوضات من جديد، ونأمل أن تنجح محادثات التقريب بين الجانبين من أجل إطلاق المفاوضات.
نحن ننتظر من الولايات المتحدة أن تعطي هذه القضية اهتمامها الكامل، حيث أنه إذا لم يكن هناك منهجية عمل واضحة خلال الشهر المقبل أو أكثر، فلن أكون مقتنعا بأننا سننجح في دفع عملية السلام إلى الأمام.
• لنبقَ حول هذه الفكرة؛ ما تقوله إنه إذا لم تشعر خلال الشهر المقبل أن الولايات المتحدة تدفع بقوة بهذا الاتجاه، فإنه لن يكون هناك تقدم؟
- لدينا اجتماع القمة العربية في نهاية آذار (مارس) المقبل في ليبيا، وهذا سيفتح المجال أمام الناس للتعبير عن آرائهم بأنهم غير مقتنعين بأنه سيكون هناك تقدم إلى الأمام، حالياً لدينا حل الـ57 دولة، وهي مبادرة السلام العربية - الإسلامية لإسرائيل، كان هناك محاولات في السابق من بعض الدول لسحب المبادرة، الناس محبطون وغير مقتنعين.
أعتقد أن مصداقية الولايات المتحدة على المحك الآن، لذا علينا فعلا أن نحرز تقدما في العملية السلمية خلال شهر أو أكثر، خصوصاً وأننا نقترب من مؤتمر القمة العربية، ولا نريد أن يكون هناك عدم وضوح.
• لكن إدارة اوباما عينت مبعوثا خاصا لعملية السلام، كما أنها طالبت الإسرائيليين بتجميد المستوطنات، هل تشعر أن إدارة أوباما .. ما أعنيه أن ما تقوله مهم للغاية، فأنت تقول أن الولايات المتحدة ستفقد مصداقيتها وستتضرر صورتها إذا لم تفعل شيئا، ما الذي تستطيع إدارة أوباما فعله؟
- أعتقد شخصيا أن الرئيس الأميركي ملتزم بشكل كبير بالسلام، ولكننا نعرف أيضا، أن الولايات المتحدة تتعامل مع قضايا أخرى داخلية، فهناك برنامج التأمين الصحي وقضايا أخرى، بالإضافة إلى قضية الانتخابات (المقعد في مجلس الشيوخ الأميركي الذي فاز به الحزب الجمهوري) في ولاية ماساشوستس والتي تصدرت الأخبار.
فهل يتوفر لدينا الاهتمام الكامل من الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي نحتاجه بشكل كبير في الشهر المقبل أو نحوه، من أجل أن نحدد شكل المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟
والشيء الآخر الذي أود أن أوضحه هو أنه عاجلاً أم آجلاً سيكون هناك خط وهمي في الرمال، وسيتضح للجميع بعد أن نعبره فيما إذا كانت إمكانية التوصل إلى حل الدولتين ما تزال قائمة، وآمل أن لا نكون عبرنا هذا الخط حتى الآن، فإذا، لا قدر الله، تجاوزنا هذا الخط، سنكون قد حكمنا على منطقة الشرق الأوسط والمنطقة بعقود طويلة من عدم الاستقرار، وكلما أمضينا وقتا أكثر في الحديث حول الأمر -كما تقول- ولم نحل هذه المشكلة، فسندفع الثمن جميعاً.
• هناك أصوات في إسرائيل تقول إن حل الدولتين هو طريقة خاطئة للتفكير في هذا الموضوع، ويجب العودة للتفكير في أن الأردن هو الدولة الفلسطينية؟
- حل الدولتين هو الحل الوحيد، هناك أصوات تقول بين الحين والآخر أنه سيكون هناك الخيار الأردني، خيار أردني على ماذا؟ وهناك بعض العناصر في الحكومة الإسرائيلية تضغط لدور أردني في الضفة الغربية، هذا لن يحدث أبداً، ويجب أن نكون واضحين تماماً أن الأردن لا يريد على الإطلاق أي دور في الضفة الغربية، فكل ما سيؤدي إليه ذلك في هذه الحال هو استبدال الجيش الإسرائيلي بالجيش الأردني، وهذا ما لا يريده الفلسطينيون، هم يريدون دولتهم، ومرة أخرى، ما هو شكل الضفة الغربية الذي نتحدث عنه؟ نحن نتحدث عن كيان قابل للحياة، باعتقادي، ما يطرحه هؤلاء لمحاولة جر الأردن لن يضمن قيام دولة فلسطينية أو يجعل الفلسطينيين يشعرون أن لديهم وطن.
ولذلك -وقد قلنا هذا أكثر من مرة- لن يكون للأردن أي دور في الضفة الغربية، إن محاولة جعل الأردن فلسطين هو أمر غير منطقي بالنسبة لي، وهذا شيء لن يحدث.
وهناك أناس آخرون في إسرائيل يقولون، لأنه لن يكون هناك خيار أردني، فالبديل الوحيد لحل الدولتين هو حل الدولة الواحدة، وهذا ما يخيف عددا أكبر من الإسرائيليين من أولئك الذين يخشون حل الدولتين، أنا أرى بأن الحل الوحيد المتاح والقابل للتحقيق هو حل الدولتين الذي يعطي الإسرائيليين والفلسطينيين القدرة على العيش جنباً إلى جنب، والأهم من ذلك أيضاً، إن هذا الحل سيؤدي إلى توصل الدول العربية والإسلامية إلى اتفاقيات سلام مع إسرائيل، إن 57 دولة، وهي ثلث أعضاء الأمم المتحدة، لا تعترف بإسرائيل اليوم، ما يعني أن إسرائيل معزولة في الجوار وفي مناطق أخرى من العالم.
• لديك بعض الاتصالات مع إسرائيل، ما هو شعورك إزاء ما يحدث في إسرائيل، ما هو المزاج في إسرائيل؟ هل هم في مزاج للتفاوض؟ لأن انطباعي أن بناء الجدار أنهى مشكلة الإرهاب إلى درجة كبيرة في إسرائيل، وجعل الكثير من الإسرائيليين يعتقدون:"نستطيع العيش بهذا الواقع من دون تغييره، فما المشكلة في بقاء الأمور على حالها"؟
- هذا هو التحدي، فأنا التقيت مع الرئيس شمعون بيريز يوم أمس (خلال المؤتمر الاقتصادي في دافوس)، وقال إنه يؤمن بحل الدولتين وأهمية هذا الحل، لأنه يتطلع إلى مستقبل بلده، وأنا ما أزال أعتقد أن أكثرية كبيرة من الإسرائيليين والفلسطينيين تريد حل الدولتين وبأسرع وقت ممكن، إن التحدي في إسرائيل بالتحديد هو أن نتجاوز السياسيين لنصل إلى المواطنين الإسرائيليين أنفسهم، لأنهم وصلوا إلى حالة من عدم الاهتمام بالعملية السلمية لأنهم يعتقدون أن السلام لن يحدث، وأن نحاول أن نجد سبلا للتعامل مع هذه العقلية الإسرائيلية، وفي المناسبات التي جلست فيها مع إسرائيليين سألتهم: أين ترون دولتكم بعد عشر سنوات، ولنتحدث من تلك النقطة التي ترون دولتكم فيها وقتذاك حتى نستطيع أن نحدد العلاقة بين إسرائيل والعالم العربي؟ لم يستطع أي إسرائيلي أن يجيب عن هذا السؤال.
• قلت إن القضية الجوهرية في المنطقة هي القضية الفلسطينية الإسرائيلية، بينما أسمع من أشخاص في المنطقة، خصوصاً في السعودية يُسرّون لي أن "القضية الجوهرية في المنطقة هي صعود إيران وما يمكن عمله حول إيران، التي تتدخل في لبنان والأراضي الفلسطينية وتتحدانا دائما". كيف ترى صعود إيران؟
- ما أزال أقول إن القضية الرئيسية هي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فجميع الطرق في منطقتنا في هذا العالم، وكل الصراعات تؤدي إلى القدس. فإيران، اليوم، تقدم نفسها كمدافع عن القضية الفلسطينية، قبل عدة أيام أكّد أسامة بن لادن مرة أخرى في رسالته المسجلة للولايات المتحدة على معاناة الشعب الفلسطيني، إن الشعور بالظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني هو الذي يسمح للاعبين، سواءً أكانوا دولا أو غير ذلك، بأن يأخذوا دور المدافعين عن الفلسطينيين، فإذا تم حل هذه المشكلة، سنكون قد بدأنا بحل كل بؤر الضغط في الشرق الأوسط، فإذا كان هناك البعض الذي يهدد إسرائيل من داخل النظام الإيراني، فأنا أقول وأكرر للإسرائيليين إنه إذا تمكنا من حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن الفلسطينيين هم أول من سيقف ويقول لهذا البعض في الحكومة الإيرانية: "شكراً جزيلا، لقد حصلنا على دولتنا، ولقد أمنّا مستقبلنا ولا نريد صواريخ في هذا الاتجاه".
لذلك أنا أرى بأن الحلّ الأبسط والأسهل هو أن نجمع الفلسطينيين والإسرائيليين بما يمكّن العرب والمسلمين والإسرائيليين من حل الصراع بشكل نهائي.
• ما رأيك بالنسبة إلى صعود إيران؟ وما حجم هذه المشكلة؟
- لديهم صعوبات داخلية في هذه المرحلة، إيران دولة مهمة في منطقتنا، وهي دولة ذات تاريخ عريق، ولها دور مهم، لكنني دائما قلق من الآراء التي تدفع باتجاه القول إن الحل الوحيد للمشكلة مع إيران هو الحل العسكري
آمل بأن يكون هناك حل سلمي لصراعات بعض الدول مع إيران، وبرأيي، فإن أكثرية الشعب الإيراني تود حلا سلميا لهذه القضايا.
• لكن هل تستطيعون في الأردن العيش مع إيران تمتلك أسلحة نووية؟
- مرة أخرى، إذا تمّ حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، سيكون السؤال مختلفاً بعض الشيء، ما أعنيه أنه يجب أن يكون هناك شفافية حول البرامج النووية في المنطقة برمتها بما في ذلك إسرائيل، وأعتقد أنه لكل دولة الحق في امتلاك الطاقة النووية السلمية، أحياناً أسمع من بعض الأطراف طرحاً بأن الإيرانيين يسعون إلى برنامج عسكري، ما يشكل تهديداً لإسرائيل، ولكن، إذا تم التوصل إلى حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فماذا سيكون الداعي لإيران لأن تنفق مبالغ مالية طائلة على البرامج العسكرية، لن يكون هذا منطقيا، ما أعنيه أن إيران لديها تحديات، تحديات اجتماعية واقتصادية فما الذي سيجعلها تدفع باتجاه برنامج عسكري ومن أجل ماذا؟ إذا حُلّت القضية الفلسطينية لن يكون هنالك حاجة للسير باتجاه البرامج العسكرية.
• بعض الأشخاص في واشنطن ممن سيستمعون إلى هذا اللقاء سيقولون إنك ليّن باتجاه إيران؟
- ما أحاول أن أقوله إنه يجب علينا جميعا أن نتحاور ونحلّ المشكلة، فسيكون هناك دائما عدو لإسرائيل إذا لم نحل القضية الفلسطينية، ففي الستينيات كانت مصر الدولة الرئيسية التي تسبب قلقاً للحكومة الإسرائيلية، اليوم يوجد معاهدة سلام بين إسرائيل ومصر.
وفي العقد الماضي قال الإسرائيليون إن العراق كانت مصدر تهديد، ولم يعد هذا التهديد قائما الآن، وأدى التعامل مع الوضع في العراق إلى إيجاد مشاكل عدة كما نرى اليوم.
والآن يقول الإسرائيليون إن الوحش الجديد هو إيران، يجب أن نبتعد عن بث الخوف والشك، ففي النهاية يكمن الحل في التوصل إلى حل للمشكلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهذا سيؤدي إلى تخفيف التوتر في العالم، الرئيس أوباما قال شيئا في غاية الأهمية حول مستقبل الشرق الأوسط، فقد قال للمرة الأولى، وهو أمر كان يجب أن يحدث منذ عقود، إن أميركا تريد أن ترى حلا للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لأن هذا الحل هو مصلحة أمنية قومية أميركية أساسية، لأنه يتفهم أنه ما دام الصراع مستمراً وإذا لم نتوصل إلى حل خلال السنتين المقبلتين، سنتأثر جميعا من حال عدم الاستقرار وسندفع جميعا الثمن، وإلى متى نستطيع تحمل ذلك؟ فعدم الاستقرار في المنطقة سيؤثر على الاقتصاد وعلى التجارة والطاقة، فإلى متى سنستمر في العيش في ظل هذه الظروف؟
• تحدثت قبل عدة أعوام عن خطر "الهلال الشيعي"، ما يعني شيعة في إيران وحكومة ذات أغلبية شيعية في العراق، وشيعة في الخليج، هل أنت نادم على هذا التعليق؟
- لا، فليس هذا ما قلته، ما قلته هو إنني كنت قلقاً من بعض أعضاء في الحكومة الإيرانية يتبعون أجندة لخلق انطباعات بوجود هلال شيعي، لأن ما لا نريده في هذا الجزء من العالم هو صراع بين السنة والشيعة، فعندما أطلقت جرس الإنذار، كنت أرى استراتيجية سياسية ستتسبب في النهاية إلى إحداث فتنة بين السنة والشيعة.
وإذا نظرت إلى الحرب العراقية - الإيرانية، فقد بدأت حربا على الأراضي ثم أصبحت قضية عرق: الفرس ضد العرب، وكان هذا الأمر خطأ، إلا أن أحدا لم يقترب من القضية الدينية، لأن التواجد السني والشيعي يبدأ من بيروت وينتهي في بومبي، وإثارة الفتنة المذهبية أمر كارثي لا يجب لأحد أن يقوم به.
شعرت أنه كان هناك أجندة تحاول دفع الأمور نحو الفتنة المذهبية، فأطلقت جرس الإنذار أنه لا يمكن السماح بحدوث ذلك.
• عندما تنظر إلى ما يحدث في العراق، فهل تشعر بالاطمئنان؛ لأنه يبدو لي أن الحكومة في العراق، مع أنها ذات أكثرية شيعية، وشديدة بعض الشيء في التعامل مع السنة في العراق، لم تربط نفسها بإيران؟
- يواجه العراق تحديات كبيرة، ومرة أخرى فإن استقرار العراق مهم جداً لنا جميعا، وأعتقد أننا كدول عربية قد قصرنا بحق العراقيين، يجب أن نفعل أكثر للتواصل معهم ودعم العراقيين، وهو شيء لم نقم به بالفعل.
وأنا أصف الوضع في العراق بأنه تقدم بطيء، فالعراقيون يواجهون تحديات عديدة، وآمل أن تسهم الانتخابات المقبلة بتحقيق المزيد من الاستقرار للعراق، في النهاية يؤمن العراقيون بدولتهم وبأنفسهم ويريدون أن يحققوا التقدم، وأنا مؤمن بقوة العراقيين وعزيمتهم وبقدرتهم على إحراز هذا التقدم هم بحاجة إلى مساعدتنا، وسينجح العراق.
الملك: نحاول أن نوجد طبقة وسطى قوية وحيوية ومؤثرة للتقدم في الإصلاح السياسي
• ما هو عدد العراقيين في الأردن؟ لأنني عندما زرت عمّان تفاجأت، فالعراق في حرب أهلية، وتأثير ذلك على الأردن هو ارتفاع في أسعار العقارات لأن مئات الآلاف من اللاجئين العراقيين كانوا يأتون ويشترون العقارات في عمّان، لكن لم يكن لهذا الوضع تأثير على الاستقرار السياسي أو المناخ الاقتصادي في الأردن.
- كما تعرف فقد استقبلنا العراقيين في الأردن كأشقاء، فهم يحصلون على التعليم والرعاية الصحية مجاناً، أما بالنسبة إلى عددهم، فالرقم الذي كان متداولاً هو 750 ألفا، وهو عدد كبير إذا ما قارنّاه بعدد السكان وهو 6 ملايين، أظن أن الرقم الأدق هو تقريبا نصف مليون عراقي؛ أقل أو أكثر بمئة ألف، وهذا مصدر ضغط على الأردن، ولكن مرة أخرى أقول إن هناك مسؤولية علينا للوقوف إلى جانب العراقيين وأن نساعد على إيجاد الأجواء داخل العراق حتى تستطيع الأغلبية العودة إلى بلدهم.
• لقد فجر رجل أردني نفسه في أفغانستان ما أدى إلى قتل ضباط من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وقد أدى ذلك إلى تكهنات كثيرة حول دور الأردن في محاولة مواجهة القاعدة، هل لديكم دور فاعل في محاربة القاعدة في أفغانستان وباكستان؟
- عليك أن تدرك أن الانفجار لم يودِ بحياة أميركيين فقط، فقد استشهد ضابط أردني أيضا في ذلك الهجوم، وما يعجز البعض عن تذكره أننا كنا نحارب القاعدة قبل وقوع اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 في أميركا بوقت طويل، وهذا الصراع مستمر، وأنا دائما فخور جدا بقواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية في محاربة مجموعة أعتقد أنها لا تمثل ديننا بأي شكل من الأشكال.
دورنا يكمن في حماية مواطنينا وحماية بلدنا، وبذات الأهمية أيضاً حماية ديننا، وأنا لا أتكلم فقط عن الأردن، ففي العالم العربي والإسلامي يوجد تهديد كبير من قبل مجموعة من المتطرفين الذين يدعون أنهم مسلمون لكنهم يشوهون اسم الإسلام.
نحن نؤمن بالتسامح وقبول الآخر والإنسانية، وهؤلاء الذين يسمون أنفسهم مسلمين يحاولون اختطاف ديننا، وهذه ليست مشكلة أردنية، إنما مشكلة في العالم العربي والإسلامي، وسنواصل محاربتهم.
فقد واجهنا جرائم كتلك التي وقعت في الولايات المتحدة في "9/11"، ففي التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) 2005 وقعت ثلاثة انفجارات في ثلاثة فنادق، فقدنا فيها 60 شخصاً وجُرح أكثر من 100، وعندما تقارن خسائرنا بخسائر أميركا في "9/11"، فإن خسائرنا بالنسبة لحجم بلدنا كانت مضاعفة، وقررت حينها أننا لن نكون في موقع دفاعي، فإذا شعرنا أن هناك من يستهدف الأردن فإننا سنستهدفهم، ورسالتي واضحة: طالما تحاولون إيذاء المواطنين في بلدي فلنا الحق في حماية أنفسنا.
• كيف تقدّر قوة القاعدة الآن؟ لأن الملاحظ أنهم لم يستطيعوا تخطيط أو تنفيذ هجمات مؤثرة في الغرب، أو في الأردن، أو في مصر، أو في السعودية، وفي الحقيقة فإن أسامة بن لادن في الرسالة المسجلة التي ذكرتها حاول أن ينسب لنفسه الفضل في الهجوم الفاشل على طائرة أميركية أثناء عيد الميلاد؟
- مرة أخرى، يجب أن نكون حذرين في نظرتنا للمستقبل، البعض يظن أن القاعدة تهدد الغرب فقط، أريد أن أؤكد هنا، أنها تشكل تهديداً لجميع المسلمين، فأعتقد أننا جميعا تحاشينا ضربة صعبة، حين فشلت محاولة اختطاف أو تفجير الطائرة، فلو نجحت هذه العملية، فإن الفكرة من ورائها كانت التأثير في الغرب وتغيير سياسات أميركا في التعامل مع منطقتنا نحو الأسوأ.
نحن نبني الجسور بين المجتمعات والحضارات، لكن ما تريده القاعدة هو تدمير هذه الجسور، لا يريدون للفلسطينيين والإسرائيليين أن يحلّوا مشاكلهم، ولا يريدون أن يروا دولاً في منطقتنا تحل مشاكلها وتمضي قدما بمجتمعاتها، فهم يريدون الصراع.
• هل تبدو القاعدة لك أقوى أم أضعف مما كانت عليه منذ 5 سنوات؟
- من وجهة نظر تكتيكية بحتة، أحد الأسباب التي جعلتهم يظهرون في اليمن والقرن الإفريقي هو لأنهم تضرروا بشكل كبير في أفغانستان وباكستان، لذا فقد بدأوا بالانتقال إلى منطقة أخرى، قبل سنة حذرت في منطقتنا وفي الغرب من أن القاعدة تحاول أن تجد لها موطئ قدم في شبه الجزيرة العربية، لم ينجحوا في أهدافهم في العراق مع أنهم ما زالوا وللأسف يشكلون عنصرا فاعلا في إيجاد عدم الاستقرار في ذلك البلد، لذلك فإذا نظرت إلى طبيعة عملياتهم، فإن حركتهم من منطقة إلى أخرى سببها أنهم لم يتمكنوا من المحافظة على مواقعهم، وفي ضوء ما قلت، وبسبب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن هناك بيئة لتجنيد الشباب المحرومين والمحبطين في الشرق الأوسط، وهو تحدٍ يجب على كل دول العالم مواجهته.
• لماذا ما يزال هنالك هذا السرطان في العالم الإسلامي؟ فكلما يحدث هجوم إرهابي في أي مكان في العالم، ليس عليك أن تحتار من فعله ومن أين أتى؛ إذ تعرف فورا أنه مسلم متطرف. ما الذي أدى إلى ذلك؟ وكما تعرف هناك الكثير من الناس يتساءلون: لماذا لا يدين المعتدلون هذه الهجمات ولماذا يسمح العالم الإسلامي بهذا؟ ما هو ردك على ذلك؟
- المعتدلون في العالم العربي والإسلامي يدينون هذه الهجمات، ولا يدينونها بكلمات فقط بل بالأفعال، فهناك "رسالة عمان" التي تشكل مبادرة للتواصل بين الأديان، ولدينا "كلمة سواء" وهي مبادرة انطلقت من الأردن للتقريب بين المجتمعات المسلمة والمسيحية.
ونحن نعمل باستمرار في منطقتنا، وفي آسيا، وفي الغرب، ونركز على التعليم بخصوص هذا الموضوع، ولكنني أؤكد مرة أخرى هنا: إلى أين يتجه الشباب المحرومون؟ ما أعنيه أن القضية الفلسطينية الإسرائيلية هي قضية عاطفية لدى المسلمين وهناك من يحاول اختطافها لأهداف تدميرية.
ومن هنا تبرز ضرورة حل هذه القضية لنا جميعا، وبغير ذلك سنظل نعيش في ظل الإرهاب، والإرهاب كما تعرف ليس أمرا يتعامل معه الإسرائيليون، فالعرب والمسلمون والغرب يتعاملون معه، كل ذلك بسبب القضية المحورية في الشرق الأوسط وهي القضية الفلسطينية الإسرائيلية.
• هل تعتقد، جدياً، أنه إذا تم إيجاد حل للقضية الفلسطينية لن يكون هناك متطرف نيجيري آخر يؤمن بالجهاد؟
- سيكون هناك دائما متطرفون في كل ديانة، لن نستطيع التخلص كليا من الإرهاب لأنه سيكون هناك دائما شرٌ في العالم، ما أريد أن أقوله هو أن الشر ينتشر إذا لم يفعل أهل الخير شيئا، وهذا هو التحدي الذي نواجهه، لا يوجد عصا سحرية لحل هذه المشكلة، التي هي ليست خاصة بالإسلام أو المسيحية أو اليهودية أو أي ديانة أخرى، فالشرّ سيبقى دائماً موجوداً، لذا يجب العمل لإيجاد مستقبل جديد لشعوب المنطقة، وإيجاد أدوات تمكننا من إعادة التركيز على ديننا وتقوية دور الأغلبية الصامتة، لمواجهة المتطرفين الذين يحاولون اختطاف ديننا رغم أن لا صلة لهم به.
• كما تعلم، هناك أشخاص كثيرون يعتقدون بنظرية أخرى حول ما يغذي الإرهاب، وقد ارتبطت هذه النظرية بشكل ما بالرئيس بوش وإدارته وتم تطويرها من خلال أشخاص مثل برنارد لويس، الباحث من جامعة برنستون وهي ترتكز على أن عدم توفر الانفتاح السياسي في العالم العربي ينتج حركات معارضة متطرفة ويولد الرغبة في الجهاد، وأن القاعدة بدأت كمجموعة تسعى إلى الإطاحة بالحكومات في السعودية ومصر، ولكنها مؤخراً ربطت نفسها بالقضية الفلسطينية، وأنه إذا لم يحدث انفتاح في العالم العربي لن تتمكنوا من تجنب هذه الحركات السياسية المتطرفة.
- أعتقد أن الإصلاح ليس أمرا يجب أن ينتظر حتى يتم حل القضية الفلسطينية الإسرائيلية، الأردن على سبيل المثال بدأ في الإصلاح، وأعتقد أن الجميع في الشرق الأوسط لديه وتيرته الخاصة في الإصلاح، ولن أدخل في تفاصيل كيفية تعامل كل دولة مع الموضوع، فالجميع لديهم تحديات مختلفة، لدينا أكبر عدد من الشباب في التاريخ.
لدينا 200 مليون شاب وشابة بحاجة إلى فرص عمل خلال السنوات المقبلة، وإذا لم نوفر مستقبل إيجابي بحيث يكون لهم دور ورأي في مستقبلهم، سيكون لدينا مشكلة رئيسة بالتأكيد، أعتقد أن القضايا متصلة.
لكن فيما يخص الموضوع السياسي العاطفي، علينا ألا نقلل من أهمية الموضوع الفلسطيني الإسرائيلي، وهناك مسؤولية أخلاقية علينا جميعاً في العالم العربي لدفع الإصلاح بالاتجاه الصحيح.
الأردن يجري تغييرات وسيستمر في ذلك، نحن دعونا لانتخابات مبكرة حتى يكون لدينا قانون انتخاب جديد فيه شفافية ومشاركة أكبر وبرلمان أفضل، كما أعتقد أنه حيثما يرتبط موضوع الديمقراطية بصناديق الاقتراع، فقد رأينا فعلياً عدة حالات في الشرق الأوسط سارت فيها الأمور بالاتجاه المعاكس، علينا أن ندفع باتجاه تحقيق المزيد، القضية في النهاية هي حول التعليم والتمكين وإعطاء دور أكبر للمجتمع، نحن شرعنا في برنامج رئيسي أعتقد أنه سيمنح الأردنيين القدرة على التقدم بالعملية الديمقراطية في الاتجاه الصحيح، وهو برنامج اللامركزية، إذا نظرت إلى العالم العربي سترى حكومات مركزية قوية، البرنامج الذي لدينا في الأردن الآن هو تطبيق اللامركزية وإعطاء قوة أكبر للناس في جميع المحافظات، ولكن كما أدركنا من خلال التجربة لا يتم ذلك بين ليلة وضحاها، فهناك قضية بناء القدرات حتى يستطيع المجتمع التقدم إلى الأمام، فنحن نعمل على معالجة هذه القضايا وهذا يستغرق وقتاً، وأتمنى لو كنّا نستطيع التحرك بسرعة أكبر، فعندما أنظر إلى السنوات العشر الماضية من الإصلاح في بلدنا، ففي كثير من الأحيان نتقدم خطوتين إلى الأمام ونتراجع خطوة إلى الوراء، هناك مقاومة للتغيير، هناك مقاومة للأفكار، عندما نحاول الدفع للأمام، بعض القطاعات في المجتمع تقول إن هذه مؤامرة صهيونية لإحداث عدم الاستقرار في بلدنا أو أنها أجندة أميركية، فمن الصعوبة إقناع الناس بالتحرك إلى الأمام.
المستقبل الذي أراه لبلدي -وهو أمر يفهمه الأوروبيون- أنه من أجل أن تتحرك الديمقراطية في منطقتنا يجب تقوية الطبقة الوسطى.
قبل عشر سنوات قلت إن دوري هو "توفير الطعام على الطاولة" ما أحاول أن أقوله هنا هو أننا نحاول أن نوجد طبقة وسطى قوية وحيوية ومؤثرة.
كلما أسرعنا في إحداث ذلك سيكون من الأسهل التقدم بالإصلاح السياسي، لذلك فإن رؤيتي منذ اليوم الأول كانت تقوية مجتمعنا وإعطاء الأردنيين دوراً أقوى يقود إلى إصلاح سياسي لمستقبل بلدي، إنها شراكة بيني وبين الشعب لتحريك المجتمع وتمكينه من دفع الديمقراطية إلى الأمام، وأنا متأكد أن الأردنيين لديهم القدرة والإمكانية على تحقيق ذلك، وآمل بأنه عند تطبيق اللامركزية سيتقدم الأردن بقوة نحو الأمام.
• سؤال أخير، هذه هي الذكرى العاشرة لاعتلائكم العرش، أليس كذلك؟ وخلال هذه الفترة استطعتم وبشكل كبير تطوير الاقتصاد الأردني، بلدكم يفتقر للمصادر الطبيعية ولكنه ينمو بثبات وبقوة، فماذا فعلتم بالتحديد؟ وما هو الأمر الأكثر فعالية بالنسبة لكم؟ وما هو الدرس الذي تقدمونه لدول شبيهة بالأردن من أجل تحقيق النمو؟
- في البداية يجب أن لا تفقد الأمل، أن ألا تقبل بـ"لا" كجواب، هناك البعض من أبناء المجتمع الأردني الذين حينما أقول: "دعونا نفعل هذا الأمر أو ذلك"، يقولون: "اِتْسُكْ"! أتمنى لو أستطيع ترجمة ذلك إلى الإنجليزية، ولكن الحضور العرب يفهمون ما أقول، عندما أقول: "دعونا نطور هذا القطاع"، يقولون: "اِتْسُكْ! لن يكون ذلك ممكنا"، أو "اِتْسُكْ! لا نستطيع توفير التمويل"، وأنا أعتقد أن ذلك كان التحدي الأكبر لي خلال السنوات العشر الماضية.
كان عليّ أن لا أحبط من هذه الـ"اِتْسُكْ" التي أواجهها من البعض في المجتمع، نحن نتقدم ولكن في بعض الأحيان لا نحقق ما نريد فعلينا أن ننهض ثانية وننفض الغبار ونحاول من جديد، أنا أريد للأردن أن يكون أفضل مما هو عليه الآن، ولكن هناك الكثير من القضايا الإقليمية التي أثرت علينا.
أنا بطبيعتي أحب أن تنجز الأمور اليوم وليس غداً، وإذا طُلب مني أن ألخِّص ذلك الدرس في طريقة واحدة والتي باعتقادي تنطبق على بقية دول الشرق الأوسط أقول: إذا كنت تريد للأردن وتريد لبلدك أن يتطور وأن تسير إلى الأمام فالحل هو: التعليم، فالتعليم، فالتعليم.
الحافز الذي تعطيه للشباب هو ما سيعمل على تحديد مدى النجاح أو الفشل في المستقبل للبلد، ولدي صديقي العزيز ولي عهد البحرين هنا بين الحضور وبلده يتقدم للأمام ونحن نتحدث نفس اللغة.
هناك مجموعة رئيسية من الدول التي تؤمن بهذه الرؤية وبالقدرة على التقدم بدولهم إلى الأمام، أنا متفائل إزاء المستقبل، ولا نستطيع أن نقبل الهزيمة أو نقبل بـ"لا" كجواب.
![]()
مواقع النشر (المفضلة)