زمن "الشعتلة" في المواصلات..غالباً ما كان يرميني حظي العاثر لأن اكون "آخر راكب" يصعد الباص..
بعد ان يمسكني "الكنترول" من ياقتي وينظر الى جميع كراسي "الكوستر" ليتأكد أن لا كرسياً شاغراً غير غطاء الماتور ...كان يدفعني مثل السجان قائلا: "اقعد عندك"..وللأمانة القليل منهم من كان يحترمني لأدبي وطاعتي ..فيخرج "سجادة صلاة" من تحت الكرسي المفرد الذي قرب الباب...ويفرشها لي..
الغريب اني في كل مرة أصعد بها – بصفتي آخر راكب- كنت أحتار هل أدير وجهي للزجاج الأمامي وافرج ساقي بين الكرسي الأول وكرسي السائق، وأتابع سير الباص بصمت وسلام كباقي الركاب..أم اجلس مخالفاً..بحيث يكون ظهري معاكساً لظهر السائق ووجهي مقابلاً للركاب ، ، وهنا أستطيع أن أنتقد قيادة "الشوفير" براحة وحرية ويقرأ تمتماتي الجميع..
**
كنت أحتار : اذا جلست بجانب السائق ، أستطيع ان أغيّر أشرطة الغناء ، وأشاركه شرب القهوة،أعدل من وضعية المرآة بناء على طلبه، وأطلق المزاح ،واضغط على الزامور ،والقي بالمسبات على الآخرين والباصات المنافسة..لكن بالمقابل هناك سيئات ايضاً ..على الأقل،سأكون بنظر الركاب محسوباً على السائق، كما أن قفاي سيكون مكشوفا لباقي الركاب ، و"القير" الطويل سينال من فخذي الأيسر مع كل غيار يقوم به الرجل ولن استطيع أن أشكو بحكم الصداقة والمنفعة..
طيب اذا جلست معاكساً للسائق: سأكون مواجهاً للركاب وقريباً منهم ، كما أن ظهري مستور ، وردود أفعالي واضحة للجميع، وأستطيع أن أساعد النازل وأنجد الصاعد..لكن في نفس الوقت لا استطيع ان أرخي عمودي الفقري كثيراً..فكلما احتك ظهري بظهر "الشوفير" .سيقول لي ابعد ظهرك ابو الشباب..وكلما مالت ساقي المتعبة قليلاً ..نهرتني فتاة عابسة " رجلك لو سمحت"..ولو مسكت "برأسية" صاحب الكرسي الأول..سيحذرني..شيل ايدك..كما يجب أن أغض بصري عن وجوه الجميع وأمعن في "عنين الباص وقاعه المتسخ"..مضطراً لأن أبقي يديّ ورجلي..حرة رخوة دون نقاط ارتكاز بسبب موانع "الإمساك والتشبث"...وبالتالي...فإن أول "بريك" سيدوسه السائق ، سيرميني في أحضان رجالات "الكرسي الأخير" او خارج الباص لا محالة ..كنت أحتار طويلاً في وضعية الجلوس ..لكني غالباً ما كنت أختار :
أن أدفع أجرة الجالس وأمارس الوقوف..
**
وها أنا أفعلها الآن...
كرمة العلي أجارك واصل.
احمد حسن الزعبي
مواقع النشر (المفضلة)