الرومانسية القذرة !
النساء يردن رجلاً رومنسياً مثل مهند، والرجال يريدون امرأة رومانسية مثل لميس، وأتمنى أنني لم اخطئ في الأسماء لأن الصحف والكاريكاتيرات ومجالس الكثيرين تحكي عن مسلسلين تركيين «لحسا» عقول الكثيرين من السطحيين والباحثين عن الحب «التلفزيوني» التركي بعد انحسار موجتي الحب السينمائي المصري، والحب الغنائي اللبناني، وسبب أمنيتي انني لم اتابع المسلسلين، لكن قرأت عنهما الكثير، ورأيت صورة المذكورين كثيراً أخيراً، ولفتني الكم الهائل من الاهتمام الإعلامي لأصحاب المهنة، والتجاري لتجار الايقونات الفنية، والرومانسي للمحرومات والمحرومين على حد زعمهم.
السؤال الصغير البسيط هو: إذا كان الجنسان لدينا كل منهما يريد رومانسية مثل أبطال المسلسلات التركية، فأين تكمن المشكلة؟.
لم أزمع الكتابة عن هذا الموضوع لولا قارئ كريم هو الصيدلي مدير مستشفى الأزهار في الرياض سلطان المطيري الذي كتب عن الموضوع في إحدى الصحف، ولفتني سؤاله المؤلم لحد الفجيعة عن بنت سميت لميس عندما تكبر وتسأل لماذا سميتموني لميس؟ فيجيبونها :«ذاك مسلسل تركي بطلته حملت من صديقها سفاحاً فسميناك عليها تيمناً بها»! انتهت جملته، وانتهى معها أمل كنت أعلقه على ان الموضوع لا يغدو كونه موضة أو صرعة سرعان ما تنحسر،، لكن ان يبدأ الوالدان تسمية بناتهما على اسم امرأة فعلت ما ذكره المطيري، فهنا مشكلة اعتقد أن الكثيرين أسهموا فيها وعلى كثيرين ان يقفوا عندها!
يعتقد الكثيرون أن في ترك متابعة السائد على التلفزيون تخلفاً عن الركب، وكان أحد الآباء يعتقد مثلهم حتى دخل يوماً على بناته الصغيرات ومعهن القريبات والصديقات وأكبرهن في العاشرة ووجدهن يتناقشن بحماسة وبالتفصيل عن «من هو والد الطفل الحقيقي» في حمل السفاح المذكور أعلاه؟ فذهل وصدم في تفريطه ومنع جميع الفضائيات في بيته، بمعنى آخر اتجه الى أقصى الجهة المقابلة، وهنا أيضاً مشكلة أخرى ليس هذا وقتها!
التلفزيون جزء من حياتنا لا شك، وهو أصبح في سياراتنا وهواتفنا وقريباً سيكون في ساعاتنا وربما أقلامنا، ثم في شرائح تركب على عدسات أمام أعيننا لنتابع باستمرار، وهو - وإن كان يمكن العيش من دونه - لكن يبدو غير عملي الانقطاع الكامل عن غثه وسمينه، إذ يمكن أن يعزل الأولاد تماماً، ويضعف قدراتك على التناغم والتفاهم معهم، وربما قاد الحرمان إلى رغبة أكثر فيه، لكن المشكلة الحقيقية في الذائقة والمتابعة والفلترة بين القنوات، ثم الفلترة بين محتويات بعضها. وعودة على الرومانسية القذرة التي تشيعها المسلسلات، سواء التركية أم التشيكوسلوفاكية أم الأرجنتينية، فإذا كان الشعب التفلزيوني أو الفضائي كله رومانسياً أو غالبه فلماذا لا نصدّر الرومانسية بدلاً من استيرادها؟ فهي على الأقل ستكون أنظف، ويمكن أن تسجل ضمن صادراتنا الفكرية وهي قليلة لجهة الإنتاج المرئي، وربما أسهمت في ميزان المدفوعات أو حتى في زيادة فرص العمل كما هي الأسطوانة الإعلامية المشروخة لأي عملية تصدير!
في الماضي كان التفاعل الاجتماعي، خصوصاً النسائي، مع الإنتاج الفني ينطلق من سوق الذهب متمثلاً في مسميات الأساور الذهبية ونقشاتها، فشهدنا «وضحى وبن عجلان» و«راس غليص» و«ستيف اوستن» و«اقشر واقيشر»، بل حتى «غرانديزر» و«عدنان ولينا»، ثم تنتهي المسألة هناك وتمحو كل «نقشة بناجر» أختها. واليوم بات النقش على الأفئدة، والنقاش على الأجساد،.. وهذه الأخيرة لا تمحوها حتى أطقم الماس
محمد اليامي - صحيفة الحياة
مواقع النشر (المفضلة)