قبل الحديث عن معركة بدر الكبرى، تلك المعركة الحاسمة في تاريخ الإسلام التي وقعت بين المسلمين ومشركي قريش في السابع عشر من شهر رمضان المُبارك، لا بد من التوقف عند الحال الاقتصادية التي آلت إليها أوضاع المسلمين في المدينة المنورة عشية هذه المعركة الحاسمة .
كان عدد المسلمين قد ازداد في المدينة المنورة وتعزز حضورهم قوةً وتماسكاً، ولكن حالهم الاقتصادية كانت مُتردية لأن أكثر المهاجرين فروا بأنفسهم وعقيدتهم من مكة المكرمة وتركوا أموالهم هناك ولأن الأنصار شاركوا المهاجرين في أرزاقهم القليلة، فلا عجب إذا رأينا المسلمين يفكرون جدياً في استخلاص أموالهم من قريش. وفي المقابل أصبح للمشركين ثأر عند المسلمين في قتل عمرو بن الحضرمي، فلا بد من الأخذ به حتى تعود لقريش وحلفائها كرامتهم وهيبتهم عند العرب، كما أن الطريق التجارية الحيوية بين الشام ومكة أصبحت تحت رحمة المسلمين وحلفائهم، ومعنى ذلك انهيار تجارة قريش وتردي مركزها الاقتصادي. كما أن انتشار نفوذ المسلمين وازدياد قوتهم يوماً بعد يوم لا يتفقان مع احتكار قريش السيادة على العرب. تلك هي العوامل المهمة التي دفعت قريش الى التفكير جدياً في انتهاز أول فرصة للقضاء على الدِين الجديد. وكان يهود المدينة يثيرون الحرب الباردة ضد المسلمين ويُحاولون خلق المشاكل لهم، ويقومون بواجب الرتل الخامس لقريش على المسلمين، ويحرضون أعداء المسلمين على المسلمين.
كانت قوة المسلمين تبلغ يومها 305 رجال من المهاجرين والأنصار.المهاجرون منهم 74 رجلاً، وسائرهم من الأنصار بقيادة الرسول (صلّى الله عليه وسلّم)، وكان معهم فرسان فقط و 70 بعيراً يتعاقبون على امتطائها. أما قوة المشركين فبلغت 950 رجلاً أكثرهم من قريش ومعهم 200 فرس يقودونها، وعدد كبير من الإبل لركوبها وحمل أمتعتهم، وكانت هذه القوة بقيادة عدد من رجالات قريش. أما أهداف المسلمين فكانت الاستيلاء على القافلة التجارية لقريش بقيادة أبي سفيان بن حرب وكان يحميها حرس من ثلاثين إلى أربعين رجلاً، ثم البقاء في بدر بعد إفلات القافلة حتى يشعر المشركون بقوة المسلمين فيها، ويتركون لهم حرية نشر الدعوة لدينهم. أما أهداف المشركين فكانت حماية القافلة التجارية الآتية من الشام. وعند إفلات القافلة من المسلمين اختلفت الآراء في قتالهم أو العودة، فغلب رأي القائلين بالقتال للأخذ بثأر عمرو بن الحضرمي وللقضاء على قوة المسلمين، وكي تعرف العرب قوة قريش وسطوتها، وتضع حداً لتهديد المسلمين طريق الشام - مكة التجارية.
تحركت قوات المسلمين من المدينة المنورة لثمان خلت من شهر رمضان من السنة الثانية الهجرية. وسلكت قوات المسلمين طريق القوافل بين المدينة وبدر البالغ طولها حوالى 160 كلم. وقسم الرسول (عليه السلام) الإبل المتيسرة وعددها سبعون بعيراً على أصحابه. وكان من نصيبه مع علي بن أبي طالب ومرقد بن أبي مرشد الغنوي بعير واحد يتعاقبونه تماماً كما يفعل اي فرد من قواته، ثم انطلقوا مسرعين خوفاً من إفلات قافلة أبي سفيان بن حرب منهم وبثوا عيونهم يترقبون الأخبار، فلما وصلوا قريباً من الصفراء وهو واد من ناحية المدينة، بعث الرسول (عليه السلام) دوريه استطلاعية قوتها رجلان الى بدر للحصول على المعلومات عن قريش وقافلتها، فلما وصل المسلمون وادي خضران جاءهم الخبر بخروج قريش من مكة لنجدة قافلتهم، ثم أرسل الرسول دوريتي استطلاع غرضهما الحصول على معلومات عن قوة قريش ومواضعها، الأولى من علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص في نفر من الصحابة استطاعت الوصول الى ماء بدر وعادت ومعها غلامان لقريش، فاستنطقهما الرسول (عليه السلام) وعلم منهما ان قريشاً وراء الكثيب بالعدوة القصوى، ولما أجابا بأنهما لا يعرفان عدد رجال، قريش سألهما كم ينحرون يومياً، فأجابا يوماً تسعة ويوماً عشرة، فاستنبط الرسول من ذلك أنهم بين التسعمئة والألف وعرف من الغلامين كذلك ان أشراف قريش جميعاً خرجوا لمنعه.
أما الدورية الثانية فكانت مؤلفة من رجلين من المسلمين وصلا ماء بدر فسمعا جارية تطالب صاحبتها بدين عليها والثانية تجيبها: «إنما تأتي البعير غداً أو بعد غد فاعمل لهم ثم أقضيك الذي لك»، فعاد الرجلان فأخبرا الرسول ما سمعا.
قبل بدء القتال أنجز المسلمون بعض الأمور، ومنها ان الرسول (عليه السلام) اختار موضعاً مشرفاً على منطقة القتال في بدر وبنى فيه مقره وأمّن الحراسة ورتّب المقاتلين في صفوف وساوى الرسول بينها بعد ان شجع أصحابه وحرضهم على الصبر في القتال وأمرهم بأن يصدوا هجمات المشركين وهم مرابطون في مواقعهم، وقال لهم: «إذا اكتنفكم القوم فانضحوهم بالنبل ولا تحملوا عليهم حتى تؤذوا». أما كلمته للتعارف بين المسلمين فكانت: «أحد، أحد...»، ثم دخل المسلمون المعركة بمقر قيادة كامل وسيطرة لقائد واحد وأسلوب جديد في القتال لم تعرفه العرب من قبل هو أسلوب الصف. أما المشركون فمارسوا أسلوب قتال الكر والفر من دون قيادة منظمة ولا سيطرة بحيث جرى قتالهم كأفراد وليس كمجموعة موحدة.
بدأ المشركون الهجوم أولاً، إذ هجم الأسود بن عبد الأسد على الحوض الذي بناه المسلمون فتصدى له حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه، فضربه بالسيف ضربة أطارت نصف ساقه. ومع ذلك حبا الى الحوض لاقتحامه وتبعه حمزة يقاتله حتى قتله فيه. وبرز من المشركين عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، فخرج اليهم فتية من الأنصار، ولكن الرسول (عليه السلام) أعادهم وطلب خروج عبيد الله بن الحارث وحمزة بن عبدالمطلب وعلي بن أبي طالب لأنهم من أهله، فهو يؤثرهم بالخطر على غيرهم ولأن شجاعتهم أو ممارستهم للقتال معروفة، لذلك فإن نجاحهم مضمون على رجالات قريش، مما يرفع معنويات المسلمين ويضعضع معنويات المشركين. بارز عبيدة عتبة وبارز علي الوليد وبارز حمزة شيبة، فأما حمزة فلم يمهل شيبة وكذلك فعل علي، وأما عبيدة وعتبة فقد جرح واحدهما الآخر. كر علي وحمزة على عتبة فأجهزا عليه واحتملا صاحبهما ولم يلبث ان استشاط المشركون غضباً لهذه البداية السيئة فأمطروا المسلمين وابلاً من سهامهم وهاجمتهم فرسانهم، الا ان صفوف المسلمين بقيت صامدة في مواضعها تصوب نبالها على المشركين متوخية إصابة سادتهم بالدرجة الأولى، ولم يفطن المشركون أسلوب المسلمين الجديد في القتال، مما جعل رجالات المشركين تتهاوى بوابل نبال المسلمين المصوبة تصويباً دقيقاً ونزل الرسول بنفسه يقود صفوف المسلمين وأخذت هذه الصفوف تقترب رويداً رويداً من فلول المشركين التي فقدت قادتها حتى تبعثرت قوات المشركين، وعندها فقط أصدر الرسول أمره لقواته «شدوا» ومعنى ذلك القيام بالمطاردة وبدأت مطاردة المسلمين لفلول المشركين وأخذوا يجمعون الغنائم والأسرى.
ابتدأت معركة بدر صباح يوم الجمعة في 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة وانتهت مساءً وبقي المسلمون ثلاثة أيام في بدر بعد المعركة ثم غادروها عائدين الى المدينة المنورة، أما أسباب انتصار المسلمين فهي القيادة الموحدة، فالرسول هو القائد العام وهم يعملون يداً واحدة تحت قيادته يوجههم في الوقت المناسب للقيام بعمل حاسم كما كان انضباط المسلمين في تنفيذ أوامر قائدهم مثالاً رائعاً للضبط الحقيقي المتين. فالضبط أساس الجندية والجيش المتميز هو الذي يتحلى بضبط متميز وقد شجع الرسول (عليه السلام) أصحابه قبل القتال وأثناءه وقوّى عزائمهم ومعنوياتهم حتى لا يكثروا بتفوق قريش عليهم بالعدد. ولم تكن معنويات الكبار الذين مارسوا الحرب وعرفوها من المسلمين هي العالية فحسب، وانما أيضاً معنويات الأحداث الصغار الذين لم يمارسوا حرباً، كما ان المسلمين كانوا يحاربون متسلحين بعقيدة راسخة وإيمان عظيم، وهل يستطيع الذين لا عقيدة لهم ولا تحفل صدورهم إلا بأهواء الجاهلية والعصبية الأنانية وحب الظهور ان يقاتلوا ببسالة وشجاعة، كما يقاتل أمثال هؤلاء من أصحاب اليقين الثابت والعقيدة الراسخة
===============واهم شي انا ما ننسى هالتاريخ العظيم=========
مواقع النشر (المفضلة)